قال عزوجل : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) : أي حلفهم جنة : وهو كقوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١) [المنافقون : ١]. وذلك أنّهم قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّا إذا أتينا المشركين شهدنا إنّك لرسول الله ، فكذّبهم الله في الذي قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال عزوجل : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) أي : إنّا شهدنا بذلك عند المشركين. قال عزوجل : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) أي فيما ذكروا لك أنّهم يشهدون عند المشركين إنّك لرسوله. وكانوا يحلفون للنبيّ وللمؤمنين ليصدّقوهم ، فقال : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) أي حلفهم لك (جُنَّةً) اجتنّوا بها منكم ، وأسرّوا نفاقهم ولم يظهروه. لكي لا يقتلوا [ولا تسبى ذرّيّتهم ولا تؤخذ أموالهم] (١) ، إذا أظهروا نفاقهم لأنّهم يعلمون أنّ الحكم فيهم ـ إذا أظهروا نفاقهم ـ القتل. كقوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) [الأحزاب : ٦٠ ـ ٦٢] أي : هكذا سنّة الله في منافقي كلّ أمّة خلت من قبل : القتل إن لم ينتهوا عن إظهار نفاقهم. وكذلك سنّته في منافقي أمّتك إن لم ينتهوا عن إظهار نفاقهم.
قال تعالى : (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : أي عن الإسلام ، كانوا يصدّون عنه. قال : (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٦) : أي من الهوان في عذاب جهنّم.
(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١٧).
قال تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) : أي يوم القيامة (فَيَحْلِفُونَ لَهُ) : أي إنّهم كانوا في الدنيا مؤمنين ، أي : بالآخرة ، بالإقرار الذي كان منهم (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) أنتم في الدنيا فتقبلون منهم (وَيَحْسَبُونَ) : أي يحسب المنافقون (أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) : أي أنّ ذلك يجوز لهم عند الله كما جاز لهم عندكم في الدنيا إذا أقرّوا بإقراركم ، وادّعوا ملّتكم ، فقالوا : إنّهم مؤمنون
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٥٥.