حصروا أطعمتكم ، وركبوا رقابكم ، لأوشكوا أن يذروا محمّدا ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم. فأنزل الله : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ). قال ابن أبيّ ابن سلول حين رأى المسلمين نصروا ذلك الرجل : أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ـ وذلك أنّه في غزوة تبوك ـ ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، عمدنا إلى رجل من قريش فجعلناه على رقابنا ، أخرجوه فألحقوه بقومه ، وليكن علينا رجل من أنفسنا. فسمعها زيد بن أرقم فقال : لا والله لا أحبّك أبدا. فانطلق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره ، فغضب غضبا شديدا. فأرسل إلى ابن أبيّ ابن سلول ، فأتاه ومعه أشراف من الأنصار يعذرونه ويكذّبون زيدا. فقال ابن أبي ابن سلول : يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما قلته ، وإنّ زيدا لكاذب ، وما عملت عملا هو أرجى أن أدخل به الجنّة من غزوتي هذه معك. فعذره رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فبينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسير إذ نزل عليه عذر زيد فقال : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ..). إلى آخر الآية. فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتخلّل الناس حتّى لحق زيدا فأخذ بأذنيه فعركهما ساعة ثمّ قال : أبشر ، أنزل الله عذرك وصدّقك. وقرأ عليه الآية (١). وبلغنا أنّ قول ابن أبيّ ابن سلول : ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، يعني به النبيّ عليهالسلام.
قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أي علم خزائن السماوات والأرض (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨) : [يخبر الله سبحانه وتعالى أنّه معزّ رسوله ومن عنده من المؤمنين] (٢) وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) : وبلغنا أنّها نزلت في المنافقين. يقول : يا أيّها الذين أقرّوا باللسان : (لا تُلْهِكُمْ ، أَمْوالُكُمْ وَلا
__________________
ـ الضمريّ من فقراء المهاجرين ، أسلم قديما. واقرأ في معاني الفرّاء ، ج ٣ ص ١٥٩ سبب نزول الآية تجد كلاما بليغا مختصرا واضحا.
(١) أخرجه البخاريّ في كتاب التفسير ، تفسير سورة المنافقون عن زيد بن أرقم بلفظ : «إنّ الله قد صدّقك يا زيد». وانظر : الواحدي ، أسباب النزول ص ٤٦٠ ـ ٤٦١. وانظر : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج ٣ ص ١١١ ـ ١١٢.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٦٣.