أبناؤهم من بعدهم وقالوا : كثرنا وكثر عيالنا فليس للمساكين عندنا شيء (١). فتقاسموا ليصرمنّها مصبحين أي صبحا (وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١٨) : أي ولا يقولون : إن شاء الله.
قال عزوجل : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) أي عذاب من ربّك (وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠) : الصريم : بمعنى المصروم. أي : الذاهب الهالك فأهلك تلك الجنان وذلك الحرث.
(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) (٢١) : أي حين أصبحوا (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) (٢٢).
قال تعالى : (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) (٢٣) : أي يتسارّون بينهم (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) (٢٤) : أي أن لا تطعموا اليوم مسكينا.
قال عزوجل : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) أي على جدّ من أمرهم ، أي جادّين ، (قادِرِينَ) (٢٥) أي قادرين على جنّتهم في أنفسهم. قال الحسن. (عَلى حَرْدٍ) أي : على منع من الفاقة (٢).
قال عزوجل : (فَلَمَّا رَأَوْها) خرابا سوداء ، وعهدهم بها في الأمس عامرة ، (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) (٢٦) : أي ضللنا الطريق ، أي ظنّوا أنّها ليست جنّتهم. ثمّ أيقنوا أنّها جنّتهم فقالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٢٧) : أي حرمنا خير جنّتنا. (قالَ أَوْسَطُهُمْ) : أي أعدلهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) (٢٨) : أي هلّا تستثنون (٣).
__________________
(١) قيل : إنّ قصّة أصحاب الجنّة جرت لأبناء رجل صالح من أهل اليمن كان له زرع ونخل وعنب ، فخلفه ثلاثة أبناء لم يتّبعوا سيرة أبيهم في إكرام اليتامى والمساكين والأرامل. اقرأ القصّة بعبارات موجزة بليغة في معاني الفرّاء ، ج ٣ ص ١٧٤ ـ ١٧٥ ، وفي بعض كتب التفسير.
(٢) أورد أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦ عدّة معان لكلمة (حَرْدٍ) منها القصد ، والمنع ، والغضب ، وفسّرها الفرّاء في المعاني وقال : «على جدّ وقدرة في أنفسهم» ، وقال : «والحرد أيضا : القصد». وردّ الطبريّ في تفسيره ، ج ٢٩ ص ٣٣ معنى المنع وقال مرجّحا : «صحّ أنّ الذي هو أولي بتأويل الآية قول من قال : معنى قوله : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) وغدوا على أمر قد قصدوه واعتمدوه ، واستسرّوه بينهم ، قادرين عليه في أنفسهم».
(٣) قال ابن منظور : «وقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) أي تستثنون ، وفي الاستثناء تعظيم الله والإقرار بأنّه ـ