وذكر بعضهم أنّ الذين يحملون العرش ثمانية صفوف من الكروبيّين لا يرى أطرافهم ولا يعلم عددهم إلّا الذي خلقهم ، سبحانه.
قال عزوجل : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) (١٨) : أي لا يخفى على الله من أعمالكم شيء.
قال عزوجل : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) : فيعلم أنّه من أهل الجنّة (فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (١٩) : وذلك حين يأذن الله له فيقرأ كتابه.
فإذا كان الرجل في الخير رأسا ـ يدعو إليه ويأمر به ، ويكثر تبعه عليه ـ دعي باسمه واسم أبيه فيتقدّم ، حتّى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخطّ أبيض ، في باطنه السيّئات ، وفي ظاهره الحسنات. فيبدأ بالسيّئات فيقرأها ، فيشفق ويتغيّر لونه. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه سيّئاتك قد غفرت لك فيفرح ، ثمّ يقلب كتابه فيقرأ حسناته ، فلا يزداد إلّا فرحا ، فيقال له : هذه حسناتك ، وقد ضوعفت لك ، ويبيضّ وجهه ، ويؤتى بتاج ، فيوضع على رأسه ويكسى حلّتين ، ويحلّى كلّ مفصل منه ، ويطول ستّين ذراعا ، وهي قامة أبينا آدم عليهالسلام ، ويقال له : انطلق إلى أصحابك فبشّرهم وأخبرهم بأنّ لكلّ إنسان منهم مثل هذا. فإذا أدبر قال : (هاؤُمُ) أي : هاكم (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (إِنِّي ظَنَنْتُ) : أي علمت (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٢٠).
قال عزوجل : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٢١) : أي مرضية ، قد رضيها.
(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (٢٢) : أي في السماء. (قُطُوفُها) : أي ثمارها (دانِيَةٌ) (٢٣) : فيقول لأصحابه : هل تعرفونني؟ فيقولون : قد غيّرتك كرامة الله ، من أنت؟ فيقول : أنا فلان بن فلان ، ليستبشر كلّ رجل منكم بمثل هذا. ذكروا عن البراء بن عازب قال : أدنيت منهم وذلّلت ، يتناولون أيّها شاءوا ، قعودا أو مضطجعين وكيف شاءوا.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : والذي نفسي بيده إنّ أهل الجنّة يتناولون من قطوفها وهم متّكئون ، فما تصل إلى في أحدهم حتّى يبدّل الله مكانها أخرى (١).
__________________
(١) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ٧٣ من سورة الزخرف ، وانظر كذلك : ج ٢ ، تفسير الآية ٣٥ من سورة الرعد.