قوله عزوجل : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ) : أي بما قدّمتم على قدر أعمالكم (فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) (٢٤) : وهي أيّام الدنيا : وهي في الآخرة أيّام خلت. ذكروا عن عبد الله بن أوفى أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، كيف شهاء أهل الجنّة؟ قال : يأكلون ويشربون وإذا امتلأت بطونهم قيل لهم : هنيئا لكم شهوتكم ، فيرشحون عند ذلك مسكا لا يبولون ولا يتغوّطون ولا يمتخطون (١).
قال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) (٢٧) : قال الحسن : يقولها في النار ، يتمنّى الموت. وهو مثل قولهم : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧]. قال بعضهم : يقول : يا ليتني متّ قبل أن أحاسب ، وقبل أن أوتى كتابيه.
قال : وإذا كان الرجل في الشرّ رأسا ـ يدعو إليه ويأمر به ويكثر عليه تبعه ـ نودي باسمه واسم أبيه ، فيتقدّم إلى حسابه ويخرج له كتاب أسود بخطّ أسود ، في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيّئات ؛ فيبدأ بالحسنات فيقرأها فيفرح ، ويظنّ أنّه سينجو ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد : هذه حسناتك ، وقد ردّت عليك ، فيسودّ وجهه ويعلوه الحزن ، ويقنط من كلّ خير. ثمّ يقلب كتابه فيقرأ سيّئاته ، فلا يزداد إلّا حزنا ، ولا يزداد وجهه إلّا سوادا. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه سيّئاتك قد عظم بلاؤها ؛ فيعظّم للنار ، وتزرقّ عيناه ويسودّ وجهه ، ويكسى سرابيل القطران ، ويقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أنّ لكلّ إنسان منهم مثل هذا. فينطلق وهو يقول : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) (٢٩). ذكروا عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : هلكت عنّي حجّتي.
قال عزوجل : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) (٣١) : أي اجعلوه يصلى الجحيم (٢) والجحيم النار ، وهي اسم من أسماء جهنّم.
قال تعالى : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) : والله أعلم بأيّ ذراع. وبلغنا أنّ الحلقة من تلك السلسلة لو وضعت على ذروة جبل لذاب.
__________________
(١) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ١٩ من سورة الطور.
(٢) في ق وع : (صَلُّوهُ) أي : اشووه». وأثبتّ ما جاء في ز ورقة ٣٧٢.