قال الله عزوجل : (لِلطَّاغِينَ مَآباً) (٢٢) : أي للمشركين والمنافقين مرجعا (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) (٢٣) : أي تأتي عليهم الأحقاب لا تنقطع أبدا. والحقب ثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستّون يوما ، كلّ يوم ألف سنة من سني الدنيا. كلّما خلا حقب دخل حقب ، وذلك ما لا انقطاع له ولا أمد ولا غاية ولا منتهى.
قال : (لا يَذُوقُونَ فِيها) : أي في جهنّم (بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلَّا حَمِيماً) : والحميم الحارّ الذي لا يستطاع من حرّه ، قد أوقد على تلك العين التي قال عنها عزوجل : (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) (٥) [الغاشية : ٥] أي : قد أنى حرّها فاجتمع ، قد أوقد عليها منذ خلق الله السماوات والأرض. قال : (وَغَسَّاقاً) (٢٥) : قال بعضهم : هو القيح الغليظ المنتن. وقال بعضهم : هي بالفارسيّة ، الغساق بلسانهم ، أي : المنتن. وبعضهم يقول : الغساق : الذي لا يستطاع من شدّة برده ، وهو الزمهرير.
قال تعالى : (جَزاءً وِفاقاً) (٢٦) : أي يوافق أعمالهم الخبيثة. (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) (٢٧) : أي لا يخافون حسابا ، [لأنّهم] لا يقرون بالبعث. (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) (٢٨) : [أي : تكذيبا] (١).
قال : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) (٢٩) : أي أحصت الملائكة على العباد أعمالهم ، وهي عند الله محصاة في أمّ الكتاب. ذكروا عن ابن عبّاس قال : أوّل ما خلق الله القلم ، فقال اكتب. قال : ربّ وما أكتب؟ قال : ما هو كائن إلى يوم القيامة. قال : فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة. فأعمال العباد تعرض كلّ يوم اثنين وخميس ، فيجدونه على ما في الكتاب. وزاد فيه بعضهم : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). [الجاثية : ٢٩]. ثمّ قال : ألستم قوما عربا؟ هل تكون النسخة إلّا من كتاب؟.
__________________
(١) زيادة من ز ، وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٢٢٩ : «خفّفها عليّ بن أبي طالب رحمهالله : (كِذَّاباً) وثقّلها عاصم والأعمش وأهل المدينة والحسن البصريّ. وهي لغة يمانيّة فصيحة يقولون : كذّبت به كذّابا ، وخرّقت القميص خرّاقا ، وكلّ فعّلت فمصدره فعّال في لغتهم مشدّد. قال لي أعرابيّ منهم على المروة : ألحلق أحبّ إليك أم القصّار؟ يستفتيني». وقال الجوهريّ في الصحاح : «هو أحد مصادر المشدّد لأنّ مصدره قد يجيء على تفعيل ، مثل : التكليم ، وعلى فعّال ، مثل : كذّاب ، وعلى تفعلة ، مثل : توصية ، وعلى مفعّل ، مثل : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) [سبأ : ١٩].