قوله تعالى : (عَيْناً) أي : تلك الخمر من عين. وإنّما صارت عينا كقوله : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) [الإسراء : ٦١] أي من طين.
قال تعالى : (يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) وهي من تسنيم ، أي تسنم عليهم منازلهم ، أي : ما لهم من معال. وتسنيم أشرف شراب في الجنّة (١). ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : (تَسْنِيمٍ) هي ممّا قال الله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧].
قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) : أي أشركوا (كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) (٢٩) : أي في الدنيا ، يسخرون بهم. تفسير الحسن : كان المشركون إذا مرّ بهم النبيّ عليهالسلام وأصحابه يقول بعضهم لبعض : انظروا إلى هؤلاء الذين تركوا شهواتهم في الدنيا يطلبون بذلك ـ زعموا ـ نعيما في الآخرة.
قال تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ) : أي بالنبيّ وأصحابه (يَتَغامَزُونَ) (٣٠) : أي يقولون هذا القول. قال : (وَإِذَا انْقَلَبُوا) : يعني المشركين (إِلى أَهْلِهِمُ) في الدنيا (انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) (٣١) : أي مسرورين. كقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (١٣) [الانشقاق : ١٣].
ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قال الله عزوجل : وعزّتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين. لا يخافني في الدنيا إلّا أمّنته في الآخرة ، ولا يأمنني في الدنيا إلّا خوّفته في الآخرة (٢). وقال في آية أخرى : (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (٢٨) [الطور : ٢٦ ـ ٢٨] وقال عزوجل : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (٩) [الانشقاق : ٩] أي : في الجنّة. وقال في الكافر : (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ) أي : في الدنيا (مَسْرُوراً) (١٣) [الانشقاق : ١١ ـ ١٣].
قال عزوجل : (وَإِذا رَأَوْهُمْ) : أي إذا رأوا أصحاب النبيّ عليهالسلام (قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) (٣٢) : أي بتركهم شهواتهم في الدنيا لنعيم الآخرة زعموا.
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٢٤٩ : «مزاج الرحيق (مِنْ تَسْنِيمٍ) من ماء يتنزل عليهم من معال ...». وانظر ما حقّقه الفرّاء بكلمة (تَسْنِيمٍ) ووجوه إعراب (عَيْناً) في الآية.
(٢) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ٢٨ من سورة المعارج.