قرأها على الاستفهام يمدّها : (أعجمي) وعربيّ؟ يقول : أكتاب أعجميّ ونبيّ عربيّ. أي : يحتجّون بذلك ، أي : كيف يكون ذلك؟ والمقرأ الأوّل تفسيره عن الحسن ، والمقرأ الأخير تفسيره عن ابن عبّاس.
قال الله عزوجل : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) لما في صدورهم. أي : يشفيهم ممّا كانوا فيه من الشرك والنفاق (١). والشرك مرض ، والنفاق مرض دون مرض الشرك. وهو مثل ، يقول : فكما أنّ المريض ليس كالصحيح ، كذلك الذي قلبه على الكفر ليس كالذي قلبه على الإيمان.
قال : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) : أي لا يصدّقون (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) : أي صمم عن الإيمان (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) : أي يزدادون عمى إلى عماهم (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٤٤) : أي هم بمنزلة الأصمّ الذي ينادى من مكان بعيد ، فهو لا يسمع النداء ، أي : سمع قبول. وقال بعضهم : (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) من قلوبهم : أي : الإيمان بعيد من قلوبهم (٢).
قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : يعني التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) : يعني آمن به قوم وكفر به قوم (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) : أي ألّا يحاسب بحساب الآخرة في الدنيا (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) : أي لحاسبهم في الدنيا فأدخل أهل الجنّة الجنّة ، وأهل النار النار. وهذا تفسير الحسن.
وقال الكلبيّ : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) لكفّار هذه الأمّة ألّا يهلكهم بالعذاب قبل يوم القيامة ، كما أهلك من كان قبلهم من الكفّار ، لقضي بينهم ، أي : لعذّبهم كما عذّب الأمم الأولى حين كذّبوا رسلهم. قال : (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) : أي من العقاب (مُرِيبٍ) (٤٥) : أي من الريبة.
قوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) : أي فعلى نفسه. (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٤٦).
__________________
(١) كذا في ق وع : «من الشرك والنفاق» ، وفي ز ورقة ٣٠٨ : «من الشكّ والشرك».
(٢) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٢٠ : «تقول للرجل الذي لا يفهم قولك : أنت تنادى من بعيد ، وتقول للفهم : إنّك لتأخذ الشيء من قريب. وجاء في التفسير : كأنّما ينادون من السماء فلا يسمعون».