ومتابعات من روايات أُخرى ، وهذا مما لا يخفى على مثل أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري .
فما يقوله المحدث : حدثني فلان ، لا يعني تصديقه لمن أخبره فيما يقول ، أو أنّه ملتزمٌ بما رواه ، بل غاية الأمر هو نقل قوله دون القبول أو الجرح وهذا جانب آخر ، والبحث فيه له مجال ثان ، فهو من قبيل قول الله سبحانه ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ) .
وكذا الحال بالنسبة إلى اعتماد المراسيل ؛ فإن أُريد العمل بها فتلك وظيفة الفقيه لا المحدّث ، وان أُريد نقله للرواية دون إسناد فهذا قد فعله الكثير من المحدّثين في مجاميعهم الحديثية ، ولا يعتبر ذلك جرحاً لهم حسب قواعد الصناعة المتعارفة عند المحدّثين .
وبذلك نخلص من مجموع ما قلناه : أنّ القميّين من جهة ابتعادهم عما يجري في العراق والحركة العقلية فيها رسموا لانفسهم معايير علمية للتعامل مع الرواية والراوي ، وقد تكون بعض تلك الضوابط شديدة لا يومن بها غيرهم ، كما فعلوه بالبرقي لمجرّد روايته عن الضعفاء ، وهذا الموقف مخالفٌ في المبدأ لطريقة كلّ علماء الحديث في أُمة الإسلام ؛ فالحديثُ الضعيف لا يسوغ تركه لمجرّد ضعفه عند علماء الأُمة ، لاحتمال اعتباره بشاهد مثله يرفعه إلى درجة الحجّية ، وهذه النقطة كسابقتها تشكّكنا بحكم القميّين على الرواية والراوي ، كما أنّهما ناهضتان للتشكيك بسلامة حكم الشيخ الصدوق رحمهالله على أخبار الشهادة الثالثة بالوضع ، وبهذا فقد يمكن أن يكون ذلك تسرعاً أو تشدداً منه . غير متناسـين ما قلناه عن تشدد القميين بأنّه كان لغلق الابواب بوجه المغرضين .
وعليه فتشدد القميين أما لابتعادهم جغرافياً عن الحركة العقلية في العراق أو خوفاً من استغلال الجاهلين لبعض الحقائق التي لا تدركها افهام عامة الناس .