قال : كيت وكيت ، فيقول آخر : وفلان [ أي علي ] قد قال له النبي : كيت وكيت .
فأحبّ أبو بكر صرفهم عن الخوض في ذلك وتوجيههم إلى القرآن (١) .
فقريش كانت لا ترتضي أن تكون الخلافة في عليّ وولده ، بل كانت تريد مشاركة الرسول في الوصاية والخلافة ، وقد اشترطت على رسول الله بالفعل أن يشركها في أمر الخلافة ، وأنّهم لا يبايعوه إلّا أن يجعل لهم في الأمر نصيباً ، فنزل فيهم قوله تعالى : ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ ) (٢) ، مؤكداً سبحانه وتعالى لهم بأن ليس بيده صلىاللهعليهوآله شيء ، فإنّ الله هو الذي ينصب الخليفة .
لكنّهم كانوا يتصوّرون أنّ بمقدورهم التلاعب بالذكر الحكيم وتغيير الآي الكريم .
وممّا قيل بهذا الصدد : أنّ ضيفين نزلا قرية انطاكية ، فأبى أهلها أن يضيّفوهما ، فنزل فيهم الوحي ، وصار هذا عاراً وشناراً عليهم ، فأرادوا أن يغيّر الرسول ما نزل فيهما بإبدال حرف الباء في ( أبوا ) ويجعلها تاءاً ( أتوا ) في قوله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا ) (٣) فجاؤوه بأحمال الذهب والفضة والحرير كرشوة له صلىاللهعليهوآله في مقابل ما يريدونه ، لكنّه أبى مستنكِراً فعلهم (٤) .
إنّ قبائل العرب ـ وخصوصاً قريشاً ـ كانوا لا يعلمون بأنّ دين الله خالصٌ نقيٌّ ، ورسوله مُطهّرٌ زكيٌّ مصطفى ، بعيدٌ عن الأهواء والمغريات ، ولاجل هذا نزل الوحي موضحاً لهم ، بأنّه صلىاللهعليهوآله ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (٥) ، وأنّه ( مَا
__________________
(١) الأنوار الكاشفة للمعلمي : ٥٤ .
(٢) سورة آل عمران : ١٥٤ .
(٣) سورة الكهف : ٧٧ .
(٤) انظر التفسير الكبير ٢١ : ١٣٤ وفيه : قيل ان اسم تلك القرية الأيلة .
(٥) سورة الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧ .