ومن جهة أُخرى فانّ الشيخ المفيد رأى الدول الشيعية آنذاك في تنام مستمرّ ، فعبيد الله ( المتوفّى ٣٢٢ هـ ) قد أسّس الدولة العبيدية في مصر ، وسيف الدولة الحمداني ( المتوفّى ٣٥٦ هـ ) أسس الدولة الحمدانية في حلب ، وقبل كلّ ذلك حَكَمَ الداعي الكبير طبرستان في إيران ، والبويهيّون في ـ بغداد وإيران وغيرها ـ مائة وثلاث عشرة سنة ، بدءاً من وفاة آخر سفراء الإمام المهدي بأربع سنوات إلى أواسط عصر الشيخ الطوسي ، أي من سنة ٣٣٤ هـ إلى ٤٤٧ هـ ، فإنّ وجود انشقاقات كهذه في الدولة العباسية يزيد في الطين بلّة ، ويُعقّد الأمور أكثر فأكثر على الشيخ المفيد .
لقد انتهج البويهيّون ـ أيّام حكمهم ـ سياسة التوازن بين الطوائف ، فكانوا يريدون أن يعيش الشيعة بدون تقيّة ، والآخرون يحكمون بحرّيّة ، وكان ممّا قرّر في عهد بهاء الدولة ـ وزير القادر ـ هو نظام النقابة للعلويين ، وقد عيّن بالفعل والد الشريفين : الرضي والمرتضى لهذا المنصب (١) .
لكنّ الخليفة القادر العباسي ـ الذي حكم بين سنة ٣٨١ هـ إلى ٤٢٢ هـ ـ سحب هذه النقابة من والد الشريفين في سنة ٣٩٤ هـ ، لملابسات كثيرة مذكورة في كتب التاريخ ، ساعياً لإعادة مجد الحكم السني للخلافة ، وذلك لاختلافه مع البويهيّين ، ولنشوء دول شيعية في مصر والشام ، وهذه الأعمال كانت تشدّد الأزمة بين البويهيين والعباسيين .
فأوّل عمل عمله القادر العباسي هو أن أعدّ ـ في سنة ٤٠٢ هـ ـ مذكّرة موقّعة من قبل علماء بارزين من الشيعة والسنة يشكّكون فيها بنسب الخلفاء الفاطميّين في مصر ، ويفنّدون فيها الباطنية ، إلى غيرها من الاُمور التي شددت الصدام بين الفريقين (٢) .
وكان مما حكاه ابن الجوزي هو : ان بعض الهاشميّين من أهل باب البصرة قصدوا أبا
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٨ : ٣٠ .
(٢) الكامل في التاريخ ٧ : ٤٤٨ .