الشهادة الثالثة ، وهو أحد الوجوه التي يمكن قولها في مفهوم التقيّة ، وأنّها لا تقتصر على الخوف من الحكّام ، أو النظر إلى رأي العامّة ، أو ما شابه ذلك فقد تكون التقيّة من الشيعة ، لأنّا نعلم أنّ الإمام قد أجاب شيعته في بعض الموارد بأجوبة مختلفة في المسألة الواحدة ، ولم يكن هناك أحد يخاف منه ، أو أنّ ما رواه أو قاله ليس فيه ما يوافق رأي السلطة ، بل قالها لأجل عدم إيقاف الخصم على رأي الأئمّة في ذلك الموضوع .
بمعنى : أنّ ملاك تشريع الشهادة الثالثة موجودٌ لكن اقتضاءً وإن لم تُشرَّع فعلياً ، أي أنّ الإمام ذكرها على نحو الاقتضاء وما له إمكانية التشريع لا بنحو العلّة التامّة ، وأودعها عند بعض اصحابه ولم يرضَ بالبوح بها في ذلك الزمان (١) ، لإمكان تشريعهم لها (٢) ، أي أنّ المقتضى كان موجوداً وكذا المانع وهو الذي مرَّ في كلام بعض فقهائنا ، ولا ريب في أنّ المانع ، كفيل بعدم التشريع ، خصوصاً للحفاظ على دماء الشيعة ورقابهم ، وهو نظير قوله صلىاللهعليهوآله : « لولا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العشاء إلى ثلثي الليل » (٣) ، أو قوله صلىاللهعليهوآله لعائشة : « لولا أنّ قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت البيت ولبنيته كما بناه إبراهيم » (٤) وهو ظاهر في أن ملاك
__________________
(١) انظر المحاسن ، للبرقي ١ : ٣٩٧ باب التقية ، وفيها ٢٧ حديثاً ، منها قول الصادق لسليمان بن خالد : يا سليمان إنّكم على دين من كتمه أعزّه الله ، ومن أذاعه أذلّه الله .
(٢) إذ جاء عن رسول الله أنّه ترك صلاة نافلة الليل في المسجد كي لا تفرض عليهم ، انظر صحيح البخاري ١ : ٢٥٥ / ح ٦٩٦ ، ، و ١ : ٣٨٠ / ح ١٠٧٧ ، و ٦ : ٢٦٨ / ح ٦٨٦٠ ، صحيح مسلم ١ : ٥٢٤ / ح ٧٦٩ ، ٧٦١ ، صحيح ابن حبان ٦ : ٢٨٤ ـ ٢٨٦ / ح ٢٥٤٣ ، ٢٥٤٤ ، ٢٥٤٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٤٩ / ح ١٣٧٣ ، الجمع بين الصحيحين ٤ : ٦٦ / ٣١٧٨ ، باب المتّفق عليه من مسند عائشة .
(٣) الكافي ٣ : ٢٨١ / ح ١٣ / باب وقت المغرب والعشاء . وانظر من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٧٣ / ح ٩٨٦ .
(٤) العمدة لابن البطريق : ٣١٦ ، ٣١٧ ، الجمع بين الصحيحين للحميدي ٤ : ٤٣ / باب المتّفق عليه من مسند عائشة .