الحكمة ، هي امكان البيان ، بمعنى أنّه يصحّ استدلالهم على نفيها فيما لو كان الإمام يمكنه أن يقولها لكنّه لم يَقُلْها .
لكنّ الواقع خلاف ذلك ، لأنّ المطّلع على مجريات الأحداث بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله يعلم بأنّ الإمام كان لا يمكنه قولها ، لأنّ شيعته سيفهمون من كلامه الجزئية ـ لأنّ كلامه عليهالسلام نصٌّ شرعيٌّ يجب التعبد به ـ ولصارت سبباً لإهدار دماء كثيرة ، وهذا ما لا يريده الإمام عليهالسلام أيضاً فكلامه على غرار قول النبي صلىاللهعليهوآله : « لولا أن أشقّ على اُمتي لأخّرت العشاء إلى ثلثي الليل » ولكون الاتيان بالشهادة الثالثة في الأذان أمر جائز وليس بواجب حتى يلزم للإمام ان يبينه مثل « حي على حي العمل » .
لأنّ الشهادة بالولاية في الأذان لم تكن كغيرها من الأمور المعرفيّة التي يمكن الإسرار بها والاحتفاظ بها عند الخواص من أصحابه ، بل انّه أمرٌ إعلاميّ يجب الجهر به ، والجهر بالولاية في مثل تلك الظروف يساوق قتل المعصوم وقتل شيعته ، ولأجل ذلك لم يلزم الشارع المقدس المسلمين للقول بها ، فكان تركها وعدم إيجابها رحمة للمؤمنين ، وسعة لشيعة أمير المؤمنين .
وعليه فلا تحقُّقَ للإطلاق المقاميّ هنا ، لعدم قدرة الإمام على بيانه ، لما في هذا البيان من عواقب تستوجب هدر الدماء ، كلُّ ذلك مع توفّر الملاكات في ذلك لكنّ الجعل غير ميسور ، وبمعنى آخر : المقتضي موجود ، والمانع موجود كذلك .
ويمكن أن يجاب كلامهم
بنحو آخر وهو : إنّ عدم الذكر أعمّ من عدم الجعل ، فقد يكون الأمر مجعولا شرعيّاً لكنّ الشارع أخّر بيانه لأمور خاصة ، وهذا يتّفق مع
مرحليّة التشريع وأنّ الأحكام لم يؤمر بها المكلّف دفعةً واحدة في بدء التشريع ، بل
نزلت تدريجاً ، بل قد يكون الحكم مُودَعاً عند الأئمة موكولاً إلى وقت رفع المانع عنه ، وهذا ما رأيناه في عصر النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة ، فكم حكم اتّضح حاله بعد رفع المانع ، وهناك أحكام أُخرى مخفيّة ستظهر بعد ظهور الإمام الحجة عجل الله تعالى