إذن علينا توضيح مغزى كلام الصدوق ببعض البحوث التمهيدية لكي نرى هل أنّ كلامه رحمهالله صدر عن حِسٍّ حتى يلزمنا الأخذ به ، أم كان عن حدس يجوز تركه ، بل إلى أيّ مدى يمكن الاعتماد على قناعاته واجتهاداته رحمهالله ، وخصوصاً أنّه كان يعيش في ظروف صعبة .
إنّ الواقف على مجريات الأحداث بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله يعلم ما جرى على آل بيت الرسالة من مظالم من قِبَلِ الحكّام ، وأنَّ الرواة وحتّى الصحابة والتابعين والفقهاء كانوا يتّقون السلطة في نشر رواياتهم وبيان آرائهم ، فلا يمكن معرفة أبعاد صدور أيّ نص منهم ، خصوصاً في العصر الأموي والعصر العباسي الأوّل أو الثاني ، إلّا بعد معرفة الظروف المحيطة به .
ونحن نظراً لحساسية كلام الشيخ رحمهالله بدأنا هذه الدراسة بثلاثة مواضيع أساسية كتمهيد لها :
الأُولى : ارتباط الغلوّ والتفويض بالشهادة الثالثة ، وهل حقاً أنّ ما يُؤتى به في الشهادة الثالثة فيه فكر تفويض أم لا ؟ بل كيف نشأت فكرة الغلو والتفويض ؟ وهل هما مختصان بالشيعة أم أنّهما ظاهرتان أصابتا البشريّة جمعاء ، وجميع الأديان والمذاهب ؟ وما هو موقف أهل البيت منها ؟ وهل حقاً أنّ البغداديين غلاةٌ ، والقميّين مقصّرةٌ ؟
الثانية : أشرنا في منهج القميّين والبغداديين في العقائد والرجال إلى ثلاث نقاط أساسية ، مؤكّدين بأنّ بعض هذه النقاط هي التي أدّت إلى صدور مثل هذا الكلام عن الشيخ الصدوق رحمهالله .
الثالثة : مناقشة دعوى الزيادة من قبل القائلين بها ، وهل حقاً أنّ هذه الزيادة من وضع المفوّضة ، وقد جاء من قبلهم على نحو الجزئية ، أم أنّها كانت موجودة في الروايات وتقال على نحو التفسيرية وبقصد القربة المطلقة وأمثالها ؟