لأنّه اكد عليها واجازها وإن لم يأت بها ، فلا ينبغي خلط هذا بذاك .
أضف إلى ذلك ما قد ثبت في النصوص الصحيحة التي رواها الفريقان من أنّ النبي كان لا يأتي ببعض المباحات بل ببعض المستحبات خوفاً على الأمّة من الفتنة أو خوفاً من أن يؤاخذ الله الأمّة بذلك ، فعلى سبيل المثال ترك النبي صلاة نافلة شهر رمضان في مسجده الشريف خوفاً عليهم من أن تفرض ، ومن هذا القبيل ما مرَّ عليك قوله صلىاللهعليهوآله : لولا قومك حديثو عهد بالجاهلية . فقد ترك صلىاللهعليهوآله ارجاع مقام إبراهيم إلى البيت خوفاً من الاختلاف وعدم قبولهم حكمه .
والحاصل : فكما أنّ النبي صلىاللهعليهوآله بلّغ بولاية علي وإمامته يوم غدير خمّ ، وترك النصّ عليها في رزيّة يوم الخميس خوفاً على الأمّة من الهلاك والسقوط ، فهذا بعينه يجري فيما نحن فيه حذو القذة بالقذة ؛ فالنبي صلىاللهعليهوآله قد أشهد الصحابة في غدير خمّ بولاية عليّ وأعلن عنها وبلغ بها ، لكنّه لم يؤذِّن بها شعاريّاً لنفس المانع من النص بها في رزية يوم الخميس ، لأنّه لو أذّن بها لاستظهر منها الوجوب ، وعدم عملهم يدعو إلى الهلاك والسقوط ، وقد استمرّ عدم تأذين الأئمة لنفس الشروط والظروف والأسباب ، فالأئمة وقبلهم النبيّ صلىاللهعليهوآله اكتفوا بالتأكيد على ولاية علي وأنّها شعار يجب الأخذ به في كلّ الأمور .
وبهذا يتضح جواب إشكال القائل بضرورة التأسي بالنبيّ صلىاللهعليهوآله فيما لم يفعله ؛ أي أنّه صلىاللهعليهوآله لم يؤذّن بالشهادة الثالثة وينبغي على المسلمين اتّباعه ؛ ولنضيف على ذلك أموراً أخرى :
أولاً :
بأنّه ليس كلّ ما ترك فعله النبيّ صلىاللهعليهوآله كان واجبَ الترك ؛ فهناك ما هو جائز الترك أيضاً ، وما كان كذلك يجوز الإتيان به ؛ لأنّ سبيله سبيل المباحات كما هو معلوم ، والأمثلة على ذلك لا تحصى ، ولقد تقدّم أنّ النبي ترك التنفّل جماعةُ في