هذا هو الغلو ، فذاك غلو في النبيّ من عمر ، وهذا غلو في عمر من أتباعه ، لأنّ الزلازل تحكمها قوانين الطبيعة طبقاً لتدبير الله ، ولو كانت الأرض قد تأدّبت بتعزير عمر لما حدث زلزال بعد عمر !
بلى ، إنّه غلوّ وتشدّد من عمر حتّى تجاوز حدِّ التنزيل في صريح قوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) (١) .
وقوله : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ . . . ) (٢) ، وبعد سماع عمر لصريح الآية المباركة ، قال : « فلكأنّي لم أقرأها إلّا يومئذ » (٣) !
ونحوه ما حكاه العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص ١٣٤ : عن الشيخ زين العابدين البكري أنّه لمّا قُرِئَتْ عليه قصيدة جدِّه محمّد البكري ومنها :
لئن كان مدح الأوَّلين صحائفاً |
|
فإنَّا لآيات الكتابِ فواتحُ |
قال المراد : بأوَّل الكتاب : ( الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ ) فالألف أبو بكر ، واللام الله ، والميم محمّد (٤) .
وفي السيرة الحلبية : روي أنّ أبا بكر رضياللهعنه لمّا حضرته الوفاة قال لمن حضره إذا أنا مت وفرغتم من جهازي فاحملوني حتى تقفوا بباب البيت الذي فيه قبر النبي صلىاللهعليهوآله ، فقفوا بالباب وقولوا : السلام عليك يا رسول الله ، هذا أبو بكر يستأذن ، فإن أذن لكم ـ بأن فتح الباب وكان الباب مغلقاً بقفل ـ فأدخلوني وادفنوني ، وإن لم يفتح الباب فأخرجوني إلى البقيع وادفنوني به ، فلمّا وقفوا على الباب وقالوا ما ذكر سقط
__________________
(١) الزمر : ٣٠ .
(٢) آل عمران : ١٤٤ .
(٣) سنن ابن ماجه ١ : ٥٢٠ / ح ١٦٢٧ ، تفسير القرطبي ٤ : ٢٢٣ ، السيرة الحلبية ٣ : ٤٧٤ .
(٤) الغدير للاميني ٨ : ٤٩ ط ٣ دار الكتاب العربي بيروت .