الأرض (١) .
وعليه ، فإنّ مسألة وجود الغلوّ والغلاة والتفويض والمفوّضة كانت موجودة عند الطرفين ، وإنّها نشأت من المتطرّفين لا المعتدلين والمتفهّمين ، وكذا الأمر بالنسبة إلى المقامات ، فقد يُرمَى بعضُ العارفين بالتفويض أو الغلو لعدم تحمّل الآخرين سماع تلك المقامات ، وقد تستغلّ تلك المقامات وتُعطَى للاخرين زوراً وبهتاناً ، كل هذه الأمور جعلت من الغلو والمعرفة سلاحاً ذا حدَّين ، وخلاصة كلامنا هو : إنّ فكرة الغلو لا تختص بها الشيعة ، فهناك فرق ومذاهب فيها اتّجاهات مغالية كذلك .
فقد روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ، قال : حدّثني أبو بكر بن مكارم ابن أبي يعلى الحربي ـ وكان شيخاً صالحاً ـ قال : قد جاء في بعض السنين مطر كثيراً جدّاً قبل دخول رمضان بأيّام ، فنمت ليلة في رمضان ، فرأيت في منامي كأنّي جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأيت قبره قد التصق بالأرض مقدار ساف ـ أي صف من الطين أو الَّلبِن ـ أو سافين ، فقلت : إنّما تمّم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث ، فسمعته من القبر وهو يقول : لا بل هذا من هيبة الحقّ عزّ وجلّ قد زارني ، فسألته عن سرّ زيارته إيّاي في كلّ عام ، فقال عزّ وجلّ : يا أحمد لأنّك نصرت كلامي فهو يُنشَر ويُتلى في المحاريب .
فأقبلت على لحده اُقبّله ، ثمّ قلت : يا سيّدي ما السرّ في أنّه لا يُقَبَّل قبرٌ إلّا قبرك ؟
فقال لي : يا بُنيّ ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، لأنّ معي شعرات من شعره صلىاللهعليهوآله ، ألا ومَن يحبّني يزورني في شهر رمضان ، قال ذلك
__________________
(١) انظر رجال الكشي ٢ : ٥٩٤ / ٥٥١ .