ووصف الشيخ الطوسي هؤلاء المقلّدة في أصول الدين ، بقوله : إذا سُئلوا عن التوحيد أو العدل أو صفات الله تعالى أو صحّة النبوة قالوا : كذا روينا ، ويروون في ذلك كلّه الأخبار (١) .
ومن خلال ما سبق اتضح لنا وجود بعض التخالف بين منهج القمّيّين ومنهج البغداديّين في العقائد والفقه ـ أو قل اختلاف المباني والسلائق بينهم ـ إذ ان المنهج الاول غالباً ما يعتمد على الأحاديث تبعاً لمشايخهم دون لحاظ ما يعارضه بعمق ، وأمّا المنهج الثاني يرى لزوم التدبر فيما يروونه بعمق ، والسعي لرفع التعارض بين الاخبار ، وخصوصاً في المسائل العقائدية .
وبعبارة أُخرى : إنّ القمّيّين قد يكونون أُصيبوا بردّة فعل ، بسبب الصراع بين عقيدتهم الصحيحة في أهل البيت وبين نزعة الحشوية المتفشيّة عند بعضهم ـ أي نزعة الجمود على الأخبار ـ وذلك لابتعادهم عن الحركة العقلية التي كان يحظى بها البغداديون في طريقة الجمع بين الاخبار ، ولوقوفهم على أخبار دالّة على النهي من الأخذ بالرأي في الأحكام من قبل الأئمّة ، فواجهوا مشكلة ، فمن جهة وقفوا على وجود هكذا أخبار في مرويّاتهم ، ومن جهة أُخرى وقفوا على نصوص أُخرى دالّة على شرعيّة الاعتماد على العقل ، وجواز الاجتهاد في دائرة النصوص ، فاكتفوا بتوثيقات مشايخهم الثقات ووقفوا عليها ، فأخذوا يتشدّدون في أخذ الأخبار إلّا عن الثقات وما رواه مشايخهم ، خوفاً من دخول الفكر الأجنبي في صلب العقيدة . وخوفاً من تزندق المتزندقة الذين يحاولون التشكيك بكل شيء ، إذ أن مصنفات الشيخ الصدوق قدسسره ناطقة ببراعته العقلية العظيمة ، وأنّه رحمهالله وكذلك مدرسة قم هم أهل نزعة عقلية ظاهرة ممزوجة مع فهم روائي ، غاية الامر أنّ الظروف التي كانت تحيط بهم تمنعهم من فتح هذا الباب على مصراعيه
__________________
(١) العدة للشيخ الطوسي ١ : ١٣٣ .