وقد علّق الشيخ المفيد البغدادي في شرح عقائد الصدوق بقوله : وأمّا نصّ أبي جعفر رحمهالله بالغلوّ على مَن نَسَبَ مشايخ القميين وعُلماءهم إلى التقصير ، فليس نسبةُ هؤلاء القوم إلى التقصير علامةً على غلوّ الناس ، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصّراً ، وانّما يجب الحكم بالغلوّ على من نسب المحقِّقين إلى التقصير ، سواء كانوا من أهل قمّ أو من غيرها من البلاد وسائر الناس .
وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد رحمهالله لم نجد لها دافعاً في التقصير ، وهي ما حكي [ عنه ] أنّه قال : أوّل درجة في الغلوّ نفيُ السهوِ عن النبيّ والإمام .
فإن صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصّر مع أنّه من علماء القميين ومشيختهم .
وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قمّ يقصّرون تقصيراً ظاهراً في الدِّين ، ويُنزلون الأئمّة عليهمالسلام عن مراتبهم ، ويزعمون أنّهم كانوا لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينية حتى ينكت (١) في قلوبهم ، ورأينا من يقول : أنّهم يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ، ويدّعون مع ذلك أنّهم من العلماء . وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه (٢) .
قال الوحيد البهبهاني : ثمّ اعلم أنّه [ أي أحمد بن محمّد بن عيسى ] وابن الغضائري ربّما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعدما نسباه إلى الغلوّ ، وكأنّه لروايته ما يدل عليه ، ولا يخفى ما فيه (٣) .
__________________
(١) ينكت في قلوبهم : أي يلقي في روعهم ويلهمون من قبل الله تعالى الهاماً ، يقال : اتيته وهو ينكت ، أي يفكر ، كأنّما يحدث نفسه .
(٢) تصحيح الاعتقاد : ١٣٥ .
(٣) الفوائد الرجالية : ٣٨ ـ ٣٩ ، المطبوع بآخر رجال الخاقاني .