يَشْعُرُونَ) أي : لا يطلعون على اطلاع أخته عليه لقصور جميع القوى النفسانية عن حدّ المفكرة وبلوغ شأوه.
[١٢] (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢))
(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) أي : منعناه من التقوي والتغذي بلذات القوى النفسانية وشهواتها وقبول أهوائها وإعدادها (مِنْ قَبْلُ) أي : قبل استعمال الفكر بنور الاستعداد وصفاء الفطرة (فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) بالقيام بتربيته بالأخلاق والآداب ويرضعونه بلبان المبادئ من المشاهدات والوجدانيات والتجربيات ، وما طريقة الحس والحدس من العلوم (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) يشدونه بالحكم العملية والأعمال الصالحة ، ويهذّبونه ولا يغوونه بالوهميات والمغالطات ، ويفسدونه بالرذائل والقبائح.
[١٣] (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ) النفس اللوّامة بالميل نحوها والإقبال (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بالتنوّر بنوره (وَلا تَحْزَنَ) بفوات قرّة عينها وبهائها وتقويتها به (وَلِتَعْلَمَ) بحصول اليقين بنوره (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بإيصال كل مستعدّ إلى كماله المودع فيه وإعادة كل حقيقة إلى أصلها (حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذلك فلا يطلبون الكمال المودع فيهم لوجود الحجاب وطريان الشك والارتياب.
[١٤ ـ ١٦] (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦))
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي : مقام الفتوّة وكمال الفطرة (وَاسْتَوى) استقام بحصول كماله ثم بتجرّده عن النفس وصفاته (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) أي : حكمة نظرية وعملية (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) المتّصفين بالفضائل ، السائرين في طريق العدالة (وَدَخَلَ) مدينة البدن (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أي : في حال هدوّ القوى النفسانية وسكونها حذرا من استيلائها عليه وعلوّها (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) أي : العقل والهوى (هذا) أي : العقل (مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا) أي : الهوى (مِنْ عَدُوِّهِ) من جملة أتباع شيطان الوهم وفرعون النفس الأمّارة (فَاسْتَغاثَهُ) العقل