بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩))
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) أي : المادة والصورة كالأرض (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أي : أشار إليها بما أراد من حركتها وتأثيرات ملكوتها وتدبيراتها وخواص كوكبها وكل ما يتعلق بها.
(وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) أي : السطح الذي يلينا من فلك القمر (بِمَصابِيحَ) الشهب (وَ) حفظناها (حِفْظاً) من أن تنخرق بصعود البخارات إليها ووصول القوى الطبيعية الشيطانية إلى ملائكتها (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الغالب على أمره كيف يشاء (الْعَلِيمِ) الذي أتقن صنعه بعلمه ، أو أإنكم لتكفرون وتحتجبون بالغواشي البدنية عن الذي خلق أرض البدن وجعلها حجاب وجهه في يومين أي شهرين أو حادثين مادة وصورة ، وتجعلون له أندادا بوقوفكم مع الغير ونسبتكم التأثير إلى ما لا وجود له ولا أثر ، ذلك الخالق هو الذي يربّ العالمين بأسمائه وجعل فيها رواسيالأعضاء من فوقها أو رواسي الطبائع الموجبة للميل السفلي من القوى العنصرية والصور الماديّة التي تقتضي ثباتها على حالها ، وبارك فيها بتهيئة الآلات والأسباب والمزاجات والقوى التي تتم بها لمقته وأفعاله وقدّر فيها أقواتها بتدبير الغاذية وأعوانها وتقدير مجاري الغذاء وأمور التغذية وأسبابها وموادّها في تتمة أربعة أشهر ، أي : جميع ذلك في أربعة أشهر سواء متساوية أو في مواد العناصر الأربعة ، ثم استوى أي : بعد ذلك قصد قصدا مستويا من غير أن يلوي إلى شيء آخر ، إلى سماء الروح وتسويتها وهي دخان أي : مادة لطيفة من بخارية الأخلاط ولطافتها مرتفعة من القلب. وقد جاءفي الحديث : «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات ، فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقيّ أم سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح ويعضده». حديث آخر في أنّ نفخ الروح في الجنين يكون بعد أربعة أشهر من وقت الحمل.
فقال لها ولأرض البدن : ائتيا ، أي : تعلقت إرادته بتكوينهما وصيرورتهما شيئا واحدا وخلقا جديدا ، فتكونا على ما أراد من الصورة وهذا معنى خلوّ الأرض قبل السماء غير مدحوّة ودحوها بعده. فإن المادة البدنية وإن تخلقت بدنا قبل اتصال الروح وانتفاخه فيها لكن الأعضاء لم تنبسط ولم ينفتق بعضها من بعض إلا بعده ، فقضاهنّ سبع سموات ، أي : الغيوب السبعة المذكورة من القوى والنفس والقلب والسرّ والروح والخفاء ، والحق الذي أدرج هويته في هوية الشخص الموجود وتنزل بإيجاده في هذه المراتب واحتجب بها وإن جعلت السبعة من المخلوقات حتى تخرج الهوية من جملتها فإحداها وهي الرابعة بين القلب ، والسرّ العقل ،