وهي السماء الدنيا باعتبار دنوّها من القلب الذي به الإنسان إنسانا في يومين في شهرين آخرين ، فتمّ مدة الحمل ستة أشهر أو مدة خلق الإنسان ، ولهذا إذا ولد بعد تمام الستة على رأس الشهر السابع عاش مستوي الخلق أو في طورين مجرّدة وغير مجرّدة أو حادثين روح وجسد والله أعلم. وأوحى في كل سماء من الطبقات المذكورة أمرها وشأنها المخصوص بها من الأعمال والإدراكات والمكاشفات والمشاهدات والمواصلات والمناغيات والتجليات. وزيّنا السماء الدّنيا : أي العقل بمصابيح الحجج والبراهين وحفظناها من استراق شياطين الوهم والخيال ، كلام الملأ الأعلى من الروحانيات بالترقي إلى الأفق العقلي واستفادة الصور القياسية لترويج أكاذيبها وتخيلاتها بها.
[٢٠ ـ ٢٩] (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩))
(حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) أي : غيّرت صور أعضائهم وصوّرت أشكالها على هيئة الأعمال التي ارتكبوها ، وبدّلت جلودهم وأبشارهم ، فتنطق بلسان الحال ، وتدل بالأشكال على ما كانوا يعملون. ولنطقها بهذا اللسان قالت : (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) إذ لا يخلو شيء ما من النطق ، ولكنّ الغافلين لا يفهمون (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) أي : قدّرنا لهم أخدانا وأقرانا من شياطين الأنس والجنّ من الوهوم والتخيل لتباعدهم من الملأ الأعلى ، ومخالفتهم بالذات للنفوس القدسية والأنوار الملكوتية بانغماسهم في الموادّ الهيولانية ، واحتجابهم بالصفات النفسانية ، وانجذابهم إلى الأهواء البدنية والشهوات الطبيعية ، فناسبوا النفوس الأرضية الخبيثة ، والكدرة المظلمة ، وخالفوا الجواهر القدسية والذوات المجرّدة ، فجعلت الشياطين أقرانهم وحجبوا عن نور الملكوت (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ما بحضرتهم من اللذات البهيمية والسبعية والشهوات الطبيعية (وَما خَلْفَهُمْ)