يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧))
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) إلى آخر القصة ، إن أريد تطبيقها قيل : اذهب يا موسى القلب أنت وأخوك العقل (بِآياتِي) حججي وبيناتي والاستيلاء ولا تفترا (فِي ذِكْرِي إِلى فِرْعَوْنَ) النفس الأمّارة الطاغية المجاوزة حدّها بالاستعلاء والاستيلاء على جميع القوى الروحانية (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) بالرفق والمداراة في دعوتها إلى الاستسلام لأمر الحق والانقياد لحكم الشرع. لعلها تلين فتتعظ وتنقاد. ولما خافا طغيانها وتفرعنها لتعوّدها بالاستعلاء ، شجعهما الله بالتأييد والإعانة والمحافظة والكلاءة والإحاطة بما يقاسيانه ويكابدانه منها ، وأمرهما بتبليغ الرسالة في تطويعها وتسخيرها وإلزامها الامتناع عن استعباد القوى الحيوانية والكفّ عن تسخيرها ، وأن يرسلها معهما في التوجه إلى الحضرة الإلهية واستفاضة الأنوار الروحية القدسية والمعارف الحقيقية ولا يعذبها في تحصيل اللذات الحسيّة والزخارف الدنيوية (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ) ببرهان دال على وجوب متابعتك إيانا.
(وَالسَّلامُ) أي : السلامة من النقائص والنجاة من العلائق والفيض النوري من العالم الروحي (عَلى مَنِ اتَّبَعَ) البرهان وتمسك بالنور الإلهي.
[٤٨ ـ ٥٢] (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢))
(إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ) في جحيم الطبيعة وهاوية الهيولى على من خالفه وأعرض عنه (فَمَنْ رَبُّكُما) إشارة إلى احتجاب النفس من جناب الربّ ، وقوله : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى) هداية له بالدليل وتبصيرا بالحجة ، أي : أعطاه خلقا على وفق مصالح ذاته وآلات تناسب خواصه ومنافعه ومقاصده وهداه إلى تحصيلها (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) إشارة إلى احتجابها عن المعاد والأحوال الأخروية من السعادة والشقاوة وعن إحاطة علم الله تعالى لها. ولما كان الواجب الأول معرفة الله تعالى بصفاته وكانت معرفة المعاد موقوفة عليها أجاب بإحاطة علمه بها وبأحوالها مع كثرتها وكون ذلك العلم مثبتا في اللوح المحفوظ باقيا أزلا وأبدا ، لا يجوز عليه الخطأ والنسيان.
[٥٣ ـ ٥٥] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥))