عليها. والطريق المثلى ، أي : الفضلى عندها هي تحصيل اللذات الحسيّة والانهماك في الشهوات البدنية. وإلقاؤها أولا إشارة إلى تقدّم الوهميات والخياليات في الوجود الإنساني على العقليات واليقينيات عند السلوك وإلا ما احتيج إلى البرهان القاطع والدليل الواضح وإلى أن الواجب على الداعي إلى الحق أولا نقض الباطل ودفع الشبهة بالحجة ليزول الاعتقاد الفاسد ويتمكن استقرار الحق. والحبال والعصيّ هي المغالطات والسفسطات من الشبهة الجدلية التي تكاد تتمشى وتغلب على القلب لو لا تأييد الحق بنور الروح والعقل وهو معنى قوله : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) (١) العاقلة النظرية من البرهان المعتمد عليه يفن مصنوعاتهم المزخرفة وأباطيلهم المموّهة ، فتضمحلّ وتتلاشى. إنما صنعوا كيد تزوير ومكر لا حقيقة له لا ما صنعت كما زعموا ، فألقي السحرة سجدا فانقادت حينئذ القوى الوهمية والخيالية والتخييلية والحسية عند ظهور عجزها والنفس الأمارة ثابتة في تفرعنها وعتوّها لعدم ارتياضها واعتيادها بمألوفاتها وترأسها على القوى وتجبرها ، باقية على عنادها وشدّة شكيمتها. ولأقطعنّ إشارة إلى إبعادها وتخويفها للقوى عند إذعانها بمنع تصرّفاتها في المعايش وترك سعيها في تحصيل الملاذ والمشتهيات الجسمانية من جهة مخالفتها إياها بموافقة القلب. وصلبها في جذوع النخل : إيقافها بالإماتة عند الرياضة في حدّ القوى النباتية وإثباتها في مقارّها ومبادئ نشأتها من أعالي مراتب القوى النباتية دون التصرّف في سائر المراتب والاستعلاء على المناصب والاستيلاء في المكاسب ، أو من الأعضاء التي هي معادنها ومظاهرها. وهذا التخويف على هذا التأويل من قبيل أحاديث النفس وهواجسها بسبب اللمات الشيطانية المثبطة عن المجاهدة لقوله تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) (٢) ليفيد إعراضها عن مطاوعة القلب وقيامها بخدمتها وتسخرها لها ولو حمل على المباحثة الظاهرة المستفادة من قوله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٣) بعد التصديق بالظاهر والإيمان بالإعجاز الباهر لأجرى قوله : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) (٤) على ظاهره إلى قوله : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) (٥) أي : تباحثوا فيما بينهم في السر ، متنازعين فيما يعارضونه به من ضروب الجدل. وقيل في قوله : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (٦) مفلقان في البيان والفصاحة والاحتجاج لا يكاد يعارضهما أحد فيحجّهما.
__________________
(١) سورة طه ، الآيات : ٦٨ ـ ٦٩.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٧٥.
(٣) سورة النحل ، الآية : ١٢٥.
(٤) سورة طه ، الآية : ٤٢.
(٥) سورة طه ، الآية : ٦٢.
(٦) سورة طه ، الآية : ٦٣.