[٦٤ ـ ٦٧] (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧))
(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) أي : اتّفقوا فيما تبارزونهما به فتكونوا متفقيّ الكلمة متعاضدين (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) أي : تخيلاتهم ووهمياتهم (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ) في التركيب والبلاغة وحسن التقرير وتمشية المغالطة والسفسطة وهيئة ترتيب القياس الجدلي كأنها تسعى ، أي : تمشي (خِيفَةً) عن غلبة الجهّال ودولة الضلال ، كماقال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : «لم يوجس موسى خيفة على نفسه ، إنما خاف من غلبة الجهّال ودولة الضلال».
[٦٨ ـ ٧١] (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١))
(قُلْنا لا تَخَفْ) شجعناه وأيّدناه بروح القدس (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) أي : ما في ضبط عقلك من النفس المؤتلفة بشعاع القدس المضيئة بنور الحق (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) ما زخرفوا وزوّروا من الشبهات والتمويهات الباطلة والأباطيل المزخرفة بالحجج النيرة والبراهين الواضحة (إِنَّما صَنَعُوا) وتلقفوا (كَيْدُ ساحِرٍ) أي : تمويه وتزوير (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) منصفين مذعنين مقرين بكونه على الحق لما عرفوا من صدق البينة وظهور المعجزة وقيام الحجة وجلية البرهان (قالُوا آمَنَّا) الإيمان اليقيني لأنهم كوشفوا بالحق فعرفوا ربوبيته للكل ، وإنما أضافوا الربّ إليهما مع تعميم الإضافة إلى العالمين لزيادة اختصاصهما به وفضل ربوبيته إياهما ، فإنه يربّ كل شيء باسم يناسبه ويقتضيه استعداده ويربهما بأكبر أسمائه الحسنى على حسب كمال استعدادهما ولظهوره فيهما بكمالات صفاته وتجليه عليهم فيهما بآياته ، فعلموا أنهم من شكوتهما عرفوا ما عرفوا ، وبوسيلتهما وصلوا إلى ما وصلوا ، وبتبعيتهما وجدوا ما وجدوا ، لا على سبيل الاستقلال. واعلم أن الساحر أقرب الناس استعدادا من النبي لأن مبادئ خوارق العادات أمور ثلاثة : إما خواص التركيب وتمزيجات المواد العنصرية والصور وجمع الأخلاط المختلفة المزاج والجوهر وهو من باب النيرنجات. وإما جمع القوى السماوية والأرضية بإعداد الصور السفلية والمواد العنصرية لاستجلاب فيض النفوس السماوية واتصالها بقوى الأجرام الأرضية وهو من باب الطلسمات ، وأما تأثير النفوس وهيئاتها المستفادة من العالم العلوي وهو من الكامل المبعوث للنبوّة القائم بالدعوة إعجاز ومن الواصل المحق المترقي إلى