(وَالَّذِينَ جاؤُ) من بعد الذين هاجروا إلى الفطرة ، أي : أخذوا في السلوك وقطع منازل النفس متضرّعين قائلين بلسان الافتقار : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) هيئات الرذائل وصفات النفوس بأنوار القلوب (وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) ذنوب التلوينات بظهور تلك الصفات والضلالة بعد الهدى (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) بالاحتجاب بالهيئات السبعية والشيطانية ورسوخها في قلوبنا (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ) تستر تلك الهيئات بأنوار الصفات (رَحِيمٌ) بإفاضة الكمالات وإراءة التجليات.
[١٣ ـ ١٥] (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥))
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) لاحتجابهم بالخلق عن الحق بسبب جهلهم بالله وعدم معرفتهم له إذ لو عرفوه لعلموا أن لا مؤثر غيره وشعروا بعظمته وقدرته فلم يبق عظم الخلق ولا أثرهم وقدرهم عندهم ، كماقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينك». (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) لكونهم غير مقهورين هناك بقهر الله ولا واقعا ظل قهر الرسول وهيبته وعكس نور تأييده وتنوّر نفسه بالاتصال بعالم القدس عليهم (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) لاتفاقهم في الظاهر (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) لانتفاء الجمعية الحقيقية بنور التوحيد عنها وتجاذب دواعيها لتفنن تعلقاتها بالأمور السفلية وتفرّقها عن الحق بالباطل لاحتجابها بالكثرة عن الوحدة (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) فيختارون طريق التوحيد العلمي ويتنحون عن السبل المتفرّقة الوهمية ، فإن طريق العقل واحد وطريق شيطان الوهم متفرّقة ، وتشتت القلوب يوهن العزائم ويضعف القوى.
[١٦ ـ ١٧] (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧))
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) أي : مثل إخوانهم المنافقين في إغوائهم كمثل الشيطان ، أي : الوهم الإنساني ، إذ زين للإنسان حال كونه على الفطرة اللذات الحسية والشهوات البدنية وحرّضه على مخالفة العقل بالهوى والاحتجاب بالطبيعية ليقع في الردى فلما احتجب بها عن الحق