وانغمس في ظلمة النفس تبرأ منه بإدراك المعاني دونه ، والتقرّب إلى جناب الحق بالترقي إلى الأفق العقلي والاطلاع على بعض الصفات الإلهية واستشعار الخوف بإدراك آثار العظمة والقدرة وأنوار الربوبية (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ) لكونهما جسمانيين ملازمين للطبيعة ونيرانها المتفننة وآلامها المتنوعة (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) الذين وضعوا العبادة غير موضعها فعبدوا صنم الهوى وطاغوت البدن ، واتخذوا آلهتهم أهواءهم.
[١٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان الغيبي التقليدي (اتَّقُوا اللهَ) في اجتناب المعاصي والسيئات والرذائل واكتساب الحسنات والطاعات والفضائل (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) لما بعد الموت من الصالحات (وَاتَّقُوا اللهَ) في الاحتجاب بالأعراض والأغراض وتوسيط الحق للمشتهيات (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ) بأعمالكم ونيّاتكم فيجازيكم بحسبها ، كماقال عليهالسلام : «لكل امرئ ما نوى». أو آمنوا الإيمان التحقيقي واتّقوا الله في الاحتجاب عنه بأفعالكم وصفاتكم ولتنظر نفس ما قدّمت لغد من محقرات الأعمال والصفات ، فإنها حجب حاجزة ووسائل مردودة مذمومة ، واتّقوا الله في البقيات والتلوينات فإن الله خبير بما تعملون بنفوسكم وما تعملون به لا بنفوسكم.
[١٩] (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩))
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) بالاحتجاب بالشهوات الجسمانية والاشتغال باللذات النفسانية (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) حتى حسبوها البدن وتركيبه ومزاجه فذهلوا عن الجوهرة القدسية والفطرية النورية (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الذين خرجوا عن الدين القيم الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها وخانوا وغدروا وجاسوا ونبذوا عهد الله وراء ظهورهم فخسروا.
[٢٠ ـ ٢١] (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١))
(لا يَسْتَوِي) الناسون الغادرون الذين هم (أَصْحابُ النَّارِ وَ) المؤمنون المتحققون المتّقون الموفون بعهدهم الذين هم (أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) والخاسرون لفرط غفلتهم وذهاب تمييزهم كأنهم لا يفرقون بين الجنة والنار وإلا لعملوا بمقتضى تمييزهم (عَلى جَبَلٍ) أي : قلوبهم أقسى من الحجر في عدم التأثر والقبول إذ الكلام الإلهي بلغ من التأثير ما لا إمكان للزيادة وراءه حتى لو فرض إنزاله على جبل لتأثر منه بالخشوع والانصداع