الجائرون عن طريق الصواب كالوهم (فَمَنْ) انقاد وأذعن (فَأُولئِكَ) قصدوا الصواب والاستقامة (وَأَمَّا) الجائرون (فَكانُوا) حطبا لجهنم الطبيعة الجسمانية (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) من جملة الموحى لا من كلام الجنّ ، أي : لو استقام الجن كلهم على طريقة التوجه إلى الحق والسلوك في متابعة السرّ السائر إلى التوحيد (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) أي : لرزقناهم علما جمّا كما ذكر في إنباء آدم للملائكة.
[١٧] (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧))
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنمتحنهم هل يشكرون بالعمل به وصرفه فيما ينبغي من مراضي الله أم لا؟ كما قال : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ) (١) (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) فيبخل بنعمته أو يصرفها فيما لا ينبغي من الأعمال وينسى حق نعمته (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) بالرياضة الصعبة والحرمان عن الحظ حتى يتوب ويستقيم أو بالهيئة المنافية المؤلمة ليتعذب عذابا شديدا شاقّا غالبا عليه.
[١٨] (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨))
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ) أي : مقام كمال كل قوة وهو هيئة إذعانها وانقيادها للقلب الذي هو سجودها أو كمال كل شيء حتى القلب والروح (لِلَّهِ) أي : حق الله على ذلك الشيء ، بل صفة الله الظاهرة على مظهر ذلك الشيء (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) بتحصيل أغراض النفس وعبادة الهوى وطلب اللذات والشهوات بمقتضى طباعكم ، فتشركوا بالله وعبادته.
[١٩] (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩))
(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) أي : القلب المتوجه إلى الحق الخاشع المطيع (يَدْعُوهُ) بالإقبال إليه وطلب النور من جنابه ويعظمه ويبجله (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) يزدحمون عليه بالاستيلاء ويحجبونه بالظهور والغلبة.
[٢٠] (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠))
(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) أوحده ولا ألتفت إلى ما سواه فأكون مشركا.
[٢١ ـ ٢٤] (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤))
(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) أي : غيّا وهدى ، إنما الغواية والهداية من الله
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٦٨.