إن سلطني عليكم تهتدوا بنوري وإلا بقيتم في الضلال ليس في قوّتي أن أقسركم على الهداية.
(إِلَّا بَلاغاً) أي : أن أبلغكم بلاغا صادرا من الله (وَ) أبلغكم (رِسالاتِهِ) من معاني الوحي وأحكام الحق ، أي : لا أملك إلّا التبليغ والرسالات فهو استثناء من معمول أملك. وقوله : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي) اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة والقدرة عليهم ، أي : لن يجيرني أيضا (مِنَ اللهِ أَحَدٌ) إن أرادني الله بضرّ أو غواية فيسلطكم أو غيركم عليّ (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملجأ وملاذا ومهربا ومحيصا إن أهلكني أو عذّبني على أيديكم أو غيركم ، وإذ لا أملك النفع والضرّ والهداية والغواية لنفسي فكيف أملك لكم شيئا منها؟.
(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) منكم فلم يقبل نوره ولم يسمع ما يبلغه رسول العقل (فَإِنَّ لَهُ نارَ) الطبيعة المحرقة باستيلائها عليه أبدا (حَتَّى إِذا رَأَوْا) أي : يكونون عليه لبدا يستولون عليه بالازدحام حتى إذا رأوا (ما يُوعَدُونَ) في الرسالات من وقوع القيامة الصغرى بالموت أو الوسطى بظهور نور الفطرة واستيلاء القلب عليها ، أو الكبرى بظهور نور الوحدة فسيظهر ضعفهم وقلّة عددهم وخمود نارهم وانطفاؤها وكلالة حدّهم وشوكتهم بإحدى الأحوال الثلاث ولا ينصر بعضهم بعضا لانقهارهم وعجزهم وفنائهم فيعلمون أنهم (أَضْعَفُ ناصِراً) من القلب (وَأَقَلُّ عَدَداً) وإن كادوا أن يقهروه بالكثرة واستقلّوه بالنسبة إلى عددهم فإن الواحد المؤيد من عند الله أقوى وأكثر (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢)) (١) ، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) (٢).
[٢٥ ـ ٢٧] (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧))
(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) في القيامة الصغرى من الفناء والدخول في نار الطبيعة عند البعث لعدم الوقوف على قدر الله أو في الأخريين من الموت الإرادي والفناء الحقيقي لعدم الوقوف على قوة الاستعداد وضعفه فيقع عاجلا ، أم ضرب الله له غاية وأجلا هو (عالِمُ الْغَيْبِ) وحده (فَلا) يطلع (عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) أي : أعدّه في الفطرة الأولى وزكّاه وصفّاه من رسول القوة القدسية (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) أي : من جانبه الإلهي (وَمِنْ خَلْفِهِ) وجهته البدنية (رَصَداً) حفظة أما من جهة الله التي إليها وجهه فروح القدس والأنوار الملكوتية والربانية ، وأما من جهة البدن فالملكات الفاضلة
__________________
(١) سورة الصافات ، الآيات : ١٧١ ـ ١٧٢.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٠.