وفي هذه الآيات تكلم الحق ـ تبارك وتعالى ـ عن نزول القرآن وأنه من عند الله الموصوف بصفات ست ، ثم تعرض للكفار الذين كفروا به وجادلوا بالباطل ومآلهم. ثم تعرض لموقف من آمن به وطمأنهم غاية الاطمئنان حيث جعل الملائكة تدعو لهم وتستغفر للمؤمنين.
المعنى :
هذا القرآن الكريم الذي بين يديك يا محمد تنزيله من الله ، فأنت صادق فيما تدعيه من أنك رسول الله وأن القرآن من عند الله ، هذا القرآن يجب اتباعه ، والسير على طريقته لأنه منزل من عند الله الخالق لكل شيء ، القادر الذي له ملك السموات والأرض ، العزيز الذي لا يغلبه غالب ، العليم الذي يعلم السر وأخفى ، ويعلم الغيب والشهادة ، وهو مع هذا يغفر الذنوب جميعا ويقبل التوبة من عباده لأنه كتب على نفسه الرحمة ، وهو مع هذا شديد العقاب لمن عصى وبغى ، ولم يرع ذمة ولا عهدا ، ولم يرجع نادما تائبا عما فرط منه ، وهو صاحب الطول ، وواهب الفضل ومجزل العطاء ، وصاحب النعم في السراء والضراء ، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، ترى أن الله وصف نفسه بصفات الرحمة والفضل ، فلو كان معه إله آخر يشاركه ويساويه لما كان جديرا بهذه الصفات ولما كانت الحاجة إلى عبوديته شديدة ، أما إذا كان واحدا ليس له شريك ولا شبيه ، كانت الحاجة إلى عبوديته شديدة ، وكانت هذه الصفات به جديرة. فلذلك قال هنا : لا إله إلا هو ولا معبود بحق سواه ، واعلموا أنه إليه وحده المرجع والمآب فاحذروا عقابه وارجوا ثوابه. روى عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له : تتابع في هذا الشراب وأصبح من أهل المدام ، فقال عمر لكاتبه : اكتب إليه : سلام عليك وأنا أحمد الله إليك ، الذي لا إله إلا هو (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) .. إلى قوله (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
ثم ختم الكتاب وقال لرسوله : لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا ، ثم أمر عمر من عنده بالدعاء له بالتوبة ، فلما أتته صحيفة عمر ، جعل يقرؤها ويقول : وعدني الله أن يغفر لي ، وحذرني عقابه وذكرني بنعمه فلم يبرح يرددها حتى بكى ، ثم نزع نفسه مما هي