إن الأبرار لفي نعيم ، يشربون شرابا ممزوجا بالكافور ، هذا الشراب مستمد من عين جارية لا ينفد ماؤها ، أعنى عينا يشربها عباد الله ، يجرونها حيث شاءوا فهي طوع إرادتهم.
وكأن سائلا سأل : بما ذا استحقوا تلك الكرامة ، وهذا النعيم؟ والجواب : إنهم يوفون بالنذر ، ويخافون يوم الحساب فإن شره مستطير ، وهم يتمتعون بخلق كريم فاضل ، والوفاء بالنذر الشرعي الذي هو قربة إلى الله كنذر صيام أو صلاة أو صدقة دليل على قوة الإيمان ومضاء العزيمة في الخير ، وإذا وفي الإنسان بالنذر لأنه التزام ، فالوفاء بالواجب المكلف به شرعا أحرى وأهم له ، بل هو من باب أولى ، تلك هي الخصلة الأولى للأبرار. والخصلة الثانية : خوفهم من الحساب ، فهذا الخوف يدعوهم إلى عمل الصالح من الأعمال ، وترك الفحش من السيئات ، وهذا اليوم جدير بالخوف من العقلاء لأن فيه شرا مستطيرا منتشرا في كل جهة.
والخصلة الثالثة : تمسكهم بالخلق الفاضل ، وتحليهم بكرم الفعال كإطعام الطعام للمحتاجين ، وبالتجربة كان الإطعام والبذل لله دليلا على صدق الإيمان ، وقوة اليقين هؤلاء يساعدون المحتاج ، ويمدون إليه يد المعونة وخاصة الإطعام ، والمحتاج مسكين قانع أو يتيم محروم أو أسير ذليل ، هم يطعمون الطعام مع حبه وشدة الحاجة إليه.
وقد روى عن علىّ ـ كرم الله وجهه ـ وزوجه فاطمة ـ رضى الله عنها ـ أنهما نذرا لله نذرا إن شفى الحسن والحسين سبطا رسول الله فسيصومان ثلاثة أيام ، فشفاهما الله فصاما ؛ ولم يكن عند هما إلا ما يفطرهما فقط ، وعند المغرب سألهما مسكين طعاما ، فأعطياه الطعام مع الحاجة إليه وباتا على الطوى : وفي اليوم الثاني سألهما يتيم فأعطياه مع شدة الحاجة ، وفي اليوم الثالث سألهما أسير فأعطياه ؛ وقد صاما ثلاثة أيام متوالية بلا طعام .. عند ذلك نزل جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم بهذه الآيات ثم قال : خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك.
هذا هو الإيمان السليم من كل شائبة ، يطعمون الطعام على حبه قائلين بلسان الحال لا بلسان المقال ، قالوا : إنا نخاف من ربنا عذاب يوم تعبس فيه الوجوه من كثرة ما تلاقى : عبوسا لشدة هوله وعظيم خطره على العباد ، يوما عبوسا قمطريرا ، أى : شديدا مظلما.