الْإِنْسانُ) وكأن المعنى : إذا السماء انشقت ، وإذا الأرض مدت ... إلخ. كان البعث ولاقى الإنسان ربه فوفاه حسابه.
يا أيها الإنسان المجد في سعيه ، النشيط في عمله السريع في تحصيل معاشه وكسبه : أنت تكدح في طلب الدنيا ، حتى استبطأت حركة الزمن ، وكم تمنيت نهاية اليوم أو الشهر أو العام لتحصيل على طلبك ، أيها الإنسان ما أجهلك!! ألم تعلم بأن هذا كله من عمرك ، وأنت تكدح صائرا إلى ربك ، وتجد وأصلا إلى نهايتك وموتك :
يسر المرء ما ذهب الليالى |
|
وكان ذهابهن له ذهابا |
فأنت تجد في السير إلى ربك فتلاقى عملك هناك أوضح من الشمس ؛ فاعمل في دنياك على هذا الأساس.
أيها الإنسان : ستلاقى ربك يوم القيامة ، وستلاقى عملك يوم يقوم الناس للعرض على الملك الجبار (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) (١) وهناك يظهر الحق ، ويعرف كل عمله ، فأما من أوتى كتابه بيمينه ، وهم الصالحون المقربون فسوف يحاسبون حسابا يسيرا سهلا ، ويرجعون إلى إخوانهم من المؤمنين فرحين مسرورين لأنهم لاقوا جزاءهم. (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (٢) وأما من أوتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره وهم الكفار الفجار ، فسوف يحاسبون حسابا عسيرا ، ويدعون من شدة ما بهم قائلين : ووا ثبوراه ، وا هلاكاه وسيصلون سعيرا ويقاسون حر جهنم الشديد القاسي ، فإيتاء الكتاب باليمين أو بالشمال. أو من وراء الظهر تمثيل وتصوير لحالة المطلع على أعماله المستبشر المبتهج بها ، أو لحالة المبتئس العبوس الحزين بسببها : والعرب تستعير جهة اليمين للخير وجهة اليسار للشر.
وما سبب عذاب هؤلاء؟ إنه كان في أهله ، أى : في الدنيا فرحا مسرورا فرح بطر أو أشر ، ولما كان فيه من ترف وحب للشهوة ، واستمتاع باللذة ، والذي دفعه إلى هذا كله ظنه أنه لن يرجع إلى ربه للحساب ، فيحسب ما اقترفته يداه ، بل سيرجع إلى ربه فيحاسبه حسابا كاملا ، إن ربه كان به بصيرا ، وعليما خبيرا ، ومقتضى علمه بالمخلوق علما كاملا : أنه لا يتركه سدى ، بل يجازى المحسن على إحسانه ، والمسيء على إساءته
__________________
١ ـ سورة الحاقة آية ١٨.
٢ ـ سورة الإنسان آية ١٢.