شهواته وغرائزه جر على نفسه وعلى مجتمعه الفساد والفناء ، لتضارب المصالح والمطامع والطموحات ، وعجز الانسان عن الوصول إلى كل ما يريده الا على حساب صحته وسلامته ، وانسانيته ، وقيمه ، ومنع الاخرين من الوصول إلى مطامحهم وأهدافهم.
ان ما يعانيه العالم المعاصر من ويلات ومصائب ليس الا من اطلاق العنان لهذه الغرائز مثل حب الذات والمال والجاه ، وغريزة الغضب والجنس ، والافراط في استخدامها ، والانسياق وراءها.
من هنا طرح المصلحون الاجتماعيون مسألة «الأخلاق» التي تهتم بتعديل هذه الغرائز وقولبتها ووضعها في المسار الصحيح ، والحد من جموحها وغليانها.
الا ان التقيد بالأخلاق لما كان يلازم التنازل عن بعض الطموحات والحرمان عن بعض المكاسب غالباً ، لم تستطع التوصيات الأخلاقية وحدها من السيطرة على الغرائز وتعديلها فكان لابد من شيء يعزز مكانة الأخلاق ، وأفضل شيء في هذا المجال هو أن يشعر الأفراد بأن هناك ثواباً وعقاباً : الثواب لمن التزم طریق العدالة والاعتدال واحترم حقوق الاخرين وحدودهم ، والعقاب لمن خالف ذلك ، وهذا لا يأتي الا عن طريق العقيدة الدينية ، والايمان بالله واليوم الاخر وما يلازم ذلك من رقابة وحساب دقيق.
اذا عرف الفرد أن السعادة الاخروية منوطة بحسن استخدامه للغرائز وأن تجاوز الحدود المعقولة المرسومة لها لا يخلو عن عقاب وحرمان في الاخرة ، فان مثل هذا الاعتقاد كاف لدفعه ، وحمله علی مراعات الحدود والبقاء ضمن الاطار الاخلاقي في جميع الحالات.
على أن تأثير الاعتقاد بالله واليوم الآخر لا ينحصر في تعديل الغرائز بل يتعداه الى تنمية الفضائل والسجايا في الانسان ، فالانسان لم يزود بالغرائز فقط