ظواهر الكون ، يمكن تقريره بحيث يتمشى مع تقدم العلوم وتطورها.
وبعبارة أخرى : أن صدق هذا الدليل ودلالته تتجلى اكثر فاكثر كلما تقدمت العلوم وازدهرت ، وتوصل الانسان الى كشف المزيد من الحقائق الكونية والقوانين الطبيعية والعلاقات الدقيقة السائدة في عالم الأحياء وغير الاحياء فكما أن المرء في العصور الغابرة كان بامكانه ان يتمسك بهذا الدليل ويستدل به على وجود الله ، فإنه يمكن لانسان هذا العصر ، الذي وقف فيه على الكثير من أسرار الكون ، وقوانينه ، أن يستهدى به أيضاً لانه وقف على مصاديق أكثر وأدق لهذا الدليل ، وحصل على رصيد أعظم من الامثلة بعد وقوفه على تفاصيل هائلة عن الكون والحياة.
وبعبارة ثالثة : كما ان الانسان الذي كان يعيش في العصور الغابرة والعهود القديمة ويرى نشأة الكون من العناصر الأربعة (التراب ، الماء ، الهواء ، النار) ويقصر حجم هذا العالم على الافلاك التسعة أن يستدل بدليل النظام على وجود خالق لهذا الكون كذلك يمكن للإنسان الذي يعيش في عصر الذرة والاختراعات والكشوف العلمية المتقدمة التي عرف الانسان بسببها كيفية نشأة الكون من عناصر كثيرة ، ووقف على قوانین ونوامیس ، وتراكيب طبيعية معقدة جهلها السابقون.
فان الاختلاف في تفسير الكون وما فيه من عناصر وتركیبات لا يؤثر في دلالة هذا البرهان ، ولا يزلزله لاتفاق الجميع في اثبات نظام دقيق سائد في هذا الكون ، ولهذا فان تقدم العلوم لا يزيد هذا الدليل الّا وضوحاً ، ولا يعطيه الا عمقاً ورسوخا ، فان الجميع قديماً وحديثاً ، متفقون على سيادة نظم دقيقة خاصة على هذا الوجود ، انما الاختلاف هو في تشخيص نوعية هذه القوانين والنواميس وسعتها وضيقها ، وهو أمر لا يضر بالبرهان المذكور أبداً.