ان الذي لاشك فيه عند مشاهدة الورقتين ـ أبداً ـ هو ان الورقة الاولى التي تحمل البيت الشعري مطبوعاً طبعاً صحيحاً ومنظماً ، تكشف عن انها من صنع «كاتب مثقف» عارف بما كتب ، عالم بالحروف والكلمات ، والجمل والتعابير حتى وان كنا لا نعرف هويته واسمه وشخصه.
بينما تكشف الورقة الثانية عن انها من فعل امي لا يعرف شيئاً من القراءة والكتابة ، وأن ما سطره من الحروف والكلمات الغريبة كان وليد الضربات العشوائية على مفاتیح الحروف في الآلة الكاتبة فهي التي جمعت هذه الحروف المتنافرة على سبيل الصدفة بعضها الى جانب بعض ، وخلقت منها كلمات غريبة لم تطرق سمع انسان قط ولم تخطر على قلب بشر أبداً.
وهكذا يكون النظام السائد في ما طبعه المثقف العارف علامة القصد والتدبير ، وتكون الفوضى في ما طبعه الأمي الجاهل علامة الصدفة وعدم التدبير.
٢ ـ لو أننا وقفنا على لوحة فنية زاهية الألوان ، متناسقة الاصباغ ، رائعة الجمال ، جميلة المعالم ، تصور شاطئ بحر ازرق وسباحين ، وسفناً تمخر عباب البحر ، وأمواجاً صغيرة تداعب المحارات المتناثرة على الساحل ، وجزيرة تتوسط الماء تعج باشجار باسقة ، وتتناثر فيها جنائن خضراء وحدائق غناء.
فان هذه اللوحة سوف تهدينا ـ فوراً ـ الى ان ثمت رساماً ماهراً هو الذي رسمها ، وهو يتمتع بذوق رفيع ، ومهارة عالية ، وتحملنا على الاعجاب بموهبته وفنه ، وابداعه.
كما تحملنا في نفس الوقت على الاعتقاد بأن مثل هذه اللوحة الرائعة لا يمكن ان تصدر الا من هذه الموهبة الفنية القوية التي تقدر على اختصار ذلك المشهد العظيم العريض في منظر جميل مصغر على قطعة صغيرة المساحة من الورقة فلا علاقة اذن للصدفة بذلك ، ولا مجال لتصور ان تلك اللوحة ظهرت اتفاقاً ، ودون قصد.