عاقل وصانع قادر ، فلابد أن يكون الكون كذلك.
أقول : أن تقرير برهان النظام بهاتين الصورتين تقرير عامي بعيد عن روح البرهان وحقيقته ، وهو ينم عن فقدان مدرسة فلسفية متكاملة تقرر هذا البرهان بصورته الصحيحة ، فان هذا البرهان لا يرتبط أبداً لا بالتمثيل ولا بالتجربة ، بل يحكم العقل فيه ـ وبعد أن يلاحظ طبيعة النظام وماهيته ـ بأنه صادر من فاعل عاقل ، وخالق قدير.
وبذلك يعرف أن هذا البرهان ليس مبنياً على التشابه بين مصنوعات البشر ، والموجود الطبيعي ، كما جاء في اعتراض «هيوم» حتى يقال بالفرق بين الصنفین ، ويقال : هذا صناعي ، وذلك طبيعي ، ولا يمكن اسراء حكم الأول إلى الثاني.
ولا على التماثل الذي هو الملاك في التجربة حتى يقال : انا جربنا ذلك في المصنوعات البشرية ، ولم نجربه في الكون لعدم تكرار وقوعه ، وعدم وقوفنا على تواجده مراراً ، فلا يصح سحب حكم الأول على الثاني ، وتعديته اليه.
بل هو برهان عقلي مستقل ذو حكم صادر من العقل ناشئ من ملاحظة نفس الشيء المنظم دون سواه. واليك تفصيل ذلك.
برهان النظام مركب من مقدمتين :
ان برهان النظم يبتني على مقدمتين : احداهما حسية والأخرى عقلية.
وكون احداهما حسية لا يضر بكون البرهان عقلياً ، فان دور الحس ـ هنا ـ ينحصر في اثبات الموضوع فقط ، أي اننا ندرك بالحس وجود هذا النظام المتقن في الكون لا أكثر ، وأما الحكم فهو يرجع الى العقل ، ولأجل ذلك يسمى برهاناً عقلياً ، وهو نظير ما اذا ثبت بالحس أن هاهنا مربعاً ، فان العقل يحكم ـ من فوره ـ بأن أضلاعه الأربعة متساوية في الطول.
وبعبارة أخرى : ان كل برهان يتألف من مقدمتين : صغری وكبری ،