على ما فيهما من خصوصيات شعرية أو فلسفية أو طبية ادركنا فوراً أن الأول كان شاعراً حماسياً ، والثاني كان فيلسوفاً قديراً وطبيباً ماهراً ، أي اننا استدللنا بالخصوصيات المحسوسة لنا في أثرهما على الصفات النفسية التي كان يتجلی ويتصف بهما ذانك الرجلان والتي هي غائبة عن ادراكنا.
وبعبارة أخرى : اننا اهتدينا الى خصوصيات العلة الغائبة عنا من معرفة خصوصيات المعلول المحسوسة لنا.
٢ ـ اننا لا نحس بواسطة الحواس الصفات التي تكمن في وجود الأشخاص وفي بواطن نفوسهم ولكننا نهتدي اليها من خلال آثارها التي تنعكس على تصرفاتهم ومواقفهم.
فاذا كانت هذه العلوم هي من العلوم والمعارف المعتبرة في الحياة الانسانية فبرهان النظم من هذا القسم ليس الا ، لأن برهان النظم يعتمد على معرفة خصوصيات العلة من معرفة خصوصيات الاثر ، أي انه معرفة ذي الاية من الاية.
فلماذا يذعن المادي بكل الحقائق التاريخية ويؤمن بالكثير من المعارف حول الشخصيات السياسية والعلمية والعسكرية السالفة وحول صفاتهم وخصوصياتهم كما يعترف بوجود الكثير من المدن ـ مثلا ـ من خلال آثارها ومنتوجاتها مع انه لم يشاهدها بام عينيه ولا بباقي حواسه ، ولكنه يرفض الاعتراف بخالق قدير عليم للنظام الكوني ، رغم وجود الايات الكثيرة الدالة عليه؟ وماذا هو الفرق ـ تری ـ بین ذلك القسم وهذا القسم من المعرفة؟؟
انه لا فرق بينهما في الحقيقة فكلاهما استدلال بما یری علی ما لا يری ، وكلاهما من مقولة معرفة ذي الاية من طريق الاية.
ان العقل السليم اذا لاحظ الكون وشاهد ما فيه من الانسجام بين الظواهر