والمصائب وجرها الى نفسه ابتداءاً ، بل يعني ان يستقبلها الانسان ـ اذا جاءت ـ برحابة صدر ، ويستفيد منها في تفجير قابلياته ، وتنمية مواهبه ، واذكاء عقله ، وتقوية روحه ، لا أن يستسلم أمام عواصفها ، أو ينهزم او ينهار ، فلا يحصد الا الخسران ، ولا يقطف الا ثمرة السقوط المرة.
ان البلايا والمصائب والمحن خير وسيلة ـ لو أحسن المرء استغلالها واستخدامها ـ لتفجير الطاقات ، بل تقدم العلوم ، ورقي الحياة البشرية.
فها هم علماء الحضارة يصرحون بان أكثر الحضارات لم تتفتق ولم تزدهر الا في أجواء الحروب والصراعات والمنافسات حيث كان الناس يلجأون فيها الى استحداث وسائل الدفاع في مواجهة الأعداء المهاجمين ، أو اصلاح ما خلفته الحروب من دمار ونقص وتخلف ، أو تهيئة ما يستطيعون به على مقاومة الحصار ، مثلا.
فقد كانت ـ في مثل هذه الظروف ـ تتفتق المواهب وتتحرك القابليات الملافاة ما فات ، وتكمیل ما نقص وتهيئة ما يلزم.
قال العلامة الطباطبائي في هذا الصدد :
«ان البحث الدقيق في العوامل المولدة للسجايا النفسانية بحسب الاحوال الطارئة على الانسان في المجتمعات يهدى الى ذلك فان المجتمعات العائلية ، والاحزاب المنعقدة في سبيل غرض من الاغراض الحيوية دنيوية أو دينية في اول تكونها ونشأتها تحس بالموانع المضادة والمحن الهادمة لبنيانها من كل جانب فتتنبه قواها الدافعة للجهاد في سبيل هدفها المشروع عندها ويستيقظما نامت من نفسياتها للتحذر من المكاره ، والتفدية في طريق مطلوبها بالمال والنفس. ولا تزال تجاهد وتفدي ليلها ونهارها ، وتتقوى وتتقدم حتی تمهد لنفسها فيها بعض الاستقلال ويصفو لها الجو بعض الصفاء ، وتأخذ بالاستفادة