فلو لم تكن فكرة الخالق الاله أمراً قد فطر عليه الانسان وحقيقة يميل اليها في أعماق قلبه وضميره ، أو لم يكن برهان وجوده مركوزاً في عقله وادراكه لاستحال أن ينتقل في «حالة الخوف من الحوادث الطبيعية المخيفة» إلى فكرة الخالق الاله ، وهذا بخلاف ما اذا كانت فكرة الخالق الاله أمراً ارتكازياً للانسان أو ثابتاً بالبرهان في ذهنه ، فإن هذا يكون وسيلة للانتقال ـ عند مواجهة الحوادث المخيفة ـ الى وجود الخالق الاله القادر على دفع الشر عنه.
وأما القرآن الكريم فانه يرى أن الاعتقاد بوجود الخالق الاله سبحانه أمر قد جبل عليه الانسان ، وان برهان وجوده موجود في عقله ، ولذلك يجعل تصور الخوف سبباً للانتباه الى وجود الاله الخالق عبر ذلك الإذعان الفطري وذلك البرهان العقلي لا سبباً موجداً له في الذهن.
وكم فرق بين كون الشيء (داعياً) إلى أمر لاجل ملازمة عقلية أو عرفية بينهما ، وبين كون شيء موجداً لذلك الأمر في رحاب الذهن ، ومبدعاً له والصحيح في المقام هو الأول دون الثاني.
فبما ان الانسان مجبول على فكرة الخالق كمجبوليته على سائر الأمور الفطرية الأخرى وكان برهان وجود الخالق موجوداً بشكله البسيط في ذهنه صار ذانك الامران وسيلة ـ عند مواجهة المصائب والنوازل ـ للانتقال والانتباه الى الخالق القادر على دفع الشر والبلية عنه ، وهذا يعني انه بفضل تلك الفطرة وذلك البرهان وقف على أن للعالم ـ والانسان بالاخص ـ خالقاً قادراً على دفع النوازل والبلايا عنه.
ولذلك يقول سبحانه ـ كما في غير آية من آيات الكتاب العزيز.
(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت ـ ٦٥)