بحاجة الى صانع هو الذي اوجده ، وعرف ما يحتاج اليه من انظمة فحلاه بها؟
وخلاصة القول أن الاعتقاد بمجرد وجود علاقة العلية والمعلولية بين الظواهر الكونية لا يكفي في تفسير الكون ، وتحلیل نشوء المادة لانه ليس هناك اي نزاع او نقاش في تفاعل اجزاء المادة بعضها في بعض ، وتأثير الكائنات المتقابل ، انما الكلام ـ بعد الاعتراف بهذا التفاعلات هو في علة نشوء المادة ، وتحليها بالنظام ، وصيرورة عالم المادة مسرحاً لنظام الاسباب والمسببات وعلى نمط العلل والمعلولات الطبيعية بعد أن لم تكن المادة واجدة لهذه الكيفية.
ان هذا هو الذي يدفعنا إلى الاذعان بوجود «علة عليا» يعود اليها وجود المادة وانظمتها ، وتنتهي اليها سلسلة العلل والمعالیل وهو الخالق سبحانه ، فهو الذي أوجد المادة وصاغها في قالب العلل والمعاليل.
ومن هنا يتبين أن من يدعي بأن هناك ـ لتفسير ظاهرة الكون ـ طريقين الاثالث لهما (اما الاعتراف بالعلل الطبيعية وانكار الخالق ، واما العكس) جاهل بأوليات الفلسفة الالهية والفبائها اذ لا تنكر هذه الفلسفة نظام الاسباب والمسببات الطبيعية ، بل هي تبذل جهوداً جبارة في كشف العلل الطبيعية ومعالیلها والروابط الموجودة بينها لانها أحد المصادر التي يستمد منها الالهيون اعتقادهم بوجود خالق الكون ، ويبرهنون به عليه ، والاعتقاد بالنظم الطبيعية غير مضرة بالاعتقاد بالله الخالق بل هو اساس تلك المعرفة.
ان تحليل الماديين لسبب اعتقاد الالهيين بوجود العلة العليا يحكي عن تصورهم بان الالهيين يجعلون «العلة العليا» جزء من عالم المادة ، وداخلا فيه ، وانها في ردیف العمل المادية (أي أن كل حادثة مستندة اليه والی علتها الخاصة على السواء) ولذلك قالوا : «اما ان نعتقد بوجود العلل المادية ، أو نعتقد بوجود الله» تصوراً منهم بأن الخالق قوة كامنة في باطن المادة تفعل بها ما تريد ، وتصيرها كيفما تشاء