في حين أن هذا التصور عن «العلة العليا» تصور خاطيء جداً ، فان المراد من «العلة العليا» هو مبدأ الفيض ، ومصدر الوجود الذي بحوله وقوته خلق المادة وصبرها ذات انظمة طبيعية ، وقوانين مادية من جنسها ، والمادة تستمد وجودها منه سبحانه في كل لحظة ، وفي كل آن.
ويدل على ذلك أن الكون لم يزل في تحول وتغير مستمرین ، من حيث المادة ومن حيث الصورة على السواء ، وان الفيض مستمر في كل حين ، وليس مثله سبحانه في نسبته الى الكائنات الطبيعية مثل البناء بالنسبة الى البيت أو النجار الى السرير.
هذا وسترجع الى هذا البحث عند حديثنا عن «علل الاقبال على المادية» ونشوء الالحاد لدى طائفة من علماء الغرب وفلاسفته ، ونأتي بنصوص واضحة من الالهين في الحضارات والادوار المختلفة في الاعتراف بالعلل الطبيعية هذا ويجدر بنا أن نشير الى عبارة للعلامة الطباطبائي رحمه الله في هذا الصدد اذ يقول :
«ان الالهيين لا يريدون باثبات الصانع ابطال قانون العلية والمعلولية العام وائيات الاتفاق والصدقة في الوجود أو تشريك الصانع مع العلل الطبيعية واسناد بعض الامور اليه والبعض الاخر اليها ، بل مرادهم اثبات علة في طول علة ، وعامل معنوي فوق العوامل الطبيعية ، واسناد التأثير الي كلتا العلتين لكن بالترتيب أولا وثانياً نظير الكتابة المنسوبة إلى الانسان ويده» (١).
نظریات حول نشأة الأرض
ثم انه قد تطرح من قبل العلماء ـ بين الفينة والأخرى ـ نظریات حول
__________________
(١) تفسیر المیزان ج ٣ ص ١٨٣.