على حصر العلة في «العلة المادية» بحيث لا يكون هناك علة غيرها.
وما اعتمد عليه وتوصل اليه عن طريق التجربة فالاجابة عنه واضحة فان التجربة ليس لها الا الاثبات دون النفي ، فالتجربة في مقدورها أن تثبت أن هنا «علة مادية» ، واما انه ليس هنا «علة غير مادية» فهي قاصرة عن مثل هذا النفي ، وغير قادرة عليه.
وبعبارة أخرى ان المادي رأى في مسير التجربة أن كل فاعل يفعل بواسطة المادة السابقة حيث يحولها من صورة الى اخرى كما يفعل النجار بالخشب حيث يحوله الى سرير ، فزعم أن كل علة لا تفعل الا بمادة سابقة تحولها الى غيرها فراح يسأل عن المادة التي صنع بها الخالق ذلك الكون ، والحال ان عدم امكان صنع شيء من دون مادة سابقة انما يصح بالنسبة إلى الفاعل المادي الذي لا يقوم به ـ في الحقيقة ـ الا بتحريك اجزاء المادة الحاضرة وضم بعضها الى بعض ، ولذلك لا مناص لتحقق فاعليته من الاستعانة بمادة موجودة سلفاً اليمكنه ان يركب ويضم بعضها إلى بعض او يفرق شيئاً عن شيء.
وأما الفاعل المجرد المطلق فهو بقدرته المطلقة قادر على خلق الشيء وایجاده من دون مادة سابقة ، ولتوضيح هذا المطلب (وهو ان الفاعل الالهي يمكنه أن يفعل بدون مادة سابقة) يمكن التمثيل بفعل النفس فانها ـ كفاعل غير مادي ـ تخلق الصور والمعاني والأفكار من دون مادة سابقة تحولها إلى ما خلقت بلا تنشؤها انشاء.
ولهذا قيل في الحديث الشريف : «من عرف نفسه فقد عرف ربه».
الى ان الفاعل الإلهي والخالق المبدع ليس شازه شان الفاعل المادي الذي يستعين بالمادة الجاهزة ليوجد ظواهر مادية جديدة ، بل هو بماله من القدرة المطلقة قادر على ايجاد المادة ابتداء وتحليتها بانواع الصور واخضاعها