المادة تساوي الوجود وتساوقه والوجود يساوي المادة ويساوقها ، فالوجود والمادة عنده شيء واحد.
ولو ثبت معتقد الالهي من عدم انحصار الوجود في الموجودات المادية وثبت ان هناك عوالم وواقعيات (١) وراء المادة فان ذلك يستلزم ان تنفتح امام العقل البشري آفاق ، وان يقف على حقائق كبری وراء الطبيعة يقوم عليها صرح الرسالات الالهية ، التي حملها الانبياء الى البشر ، فإن الشرائع السماوية انما بنيت على اساس ان الحياة لا تنحصر في الحياة الدنيوية بل هناك وراء هذا العالم عالماً آخر ، كما وان هناك موجودات غيبية أقوى من الطبيعة وموجوداتها ، مثل الأرواح والملائكة وغيرها.
وهذا الأمر هو احدى النقاط الرئيسية التي يفترق فيها الالهي عن المادي ، فان المادي بسبب حصر نفسه في «سجن المادة» وزنزانة الطبيعة المادية لا يرى شيئاً وراء المادة وبذلك ينكر العوالم الروحية وما يوجد وراء العالم المادي هذا من الحقائق الثابتة وما يتبعها من القيم والأمور المعنوية ، وغيرها.
ثم اننا قد أشبعنا الكلام في المسألتين الأوليين بما لم يبق مجالا لاي شاك أو مشكك ، نعم يبقى التحقيق في المسألة الثالثة ، ولكن قبل الخوض في هذه المسألة لابد من البحث في أمر آخر وهو : «هل أن الكون محتاج في حدوثه وبقائه معاً الى العلة العليا ، أو انه محتاج اليها في الحدوث فقط دون البقاء والاستمرار؟».
وبعبارة أخرى : هل العالم قائم في «حدوثه وبقائه» بالعلة العليا أو انه قائم بتلك العلة في «حدوثه فقط» بحيث ان بامكانه أن يبقی ـ بعد ان وجد ـ دون حاجة الى تلك العلة؟
__________________
(١) وستقف في نهاية هذا الفصل على معلومات كبيرة حول تلك العوالم.