وبعبارة أخرى : ان مناط الاحتياج الى الملة هو امكان الشيء ، وعدم واجديته للوجود من لدن ذاته وهذا المناط باق في كلتي الحالتين أي «حالة الحدوث» و «حالة البقاء» حالتي : البدء والاستمرار.
والقول باستغناء الكونفي بقائه عن العلة وان كان محتاجاً اليها في الحدوث تخصيص للقاعدة العقلية التي تقول : ان كل ممكن ـ ما دام ممكناً (بمعنی ان الوجود لا ينبع من ذاته) يحتاج إلى علة ، وهو تخصیص مرفوض.
ان القول بأن «العالم المادي» بحاجة الى العلة في الحدوث دون البقاء يشبه القول بأن بعض اجزاء الجسم بحاجة إلى العلة دون بعض ، ولابطال هذا الزعم نلفت نظر القارئ الى التوضيح التالي.
ان للجسم بعدين : بعداً مكانياً ، وبعداً زمانياً.
فامتداد الجسم في ابعاده الثلاثة (الطول ، والعرض ، والعمق) يشكل بعده المكاني ، كما ان بقاءه في عمود الزمان يشكل يعده الزماني.
فالجسم باعتبار أبعاضه ذا أبعاد مكانية وباعتبار استمرار وجوده مدى الساعات والايام والدهور ذا أبعاد زمانية.
وعلى ذلك فكما أن احتياج الجسم إلى العلة لا يختص بعض اجزائه وابعاضه دون بعض ، لعدم وجود فارق جوهري بين تلك الابعاض حتى يختص الاحتياج ببعضها دون بعض ، بل الكل متصف بالامكان ، وهذا الاتصاف حاكم باحتياج كل ممكن في جميع ابعاضه الى العلة.
فكذا الجسم في ابعاده الزمانية فهو في جميع ابعاده الزمانية (أي الحدوث والبقاء) محتاج الى العلة من غير فرق بین آن الحدوث وآن البقاء ، بین زمان النشوء وزمان الاستمرار.
فالقول باستغناء الجسم في بعض أبعاده الزمانية عن العلة يشبه القول