فهو يرى أن العالم لاثبات له ولاقرار بل يتمتع في كل آن بوجود جديد لم يكن من قبل ولن يكون بعد ذلك. فهو وان كان بظاهره ثابتاً جامداً غير انّه ذو طبيعة سيالة ، وذات متجددة باستمرار.
وبهذا لا تنحصر الحركة والتغير بالظواهر بل تعم الجواهر والذوات فهی في تغير مستمر وتجدد دائم ، والعالم بذلك أشبه بنهر جار تنعكس فيه صورة القمر ، فان الناظر يتصور ـ في نظرة ساذجة ـ ان الصورة التي يراها هي نفس الصورة التي انعكست في الماء أول مرة وقد بقيت مطبوعة على الماء في حين انها بحكم تجدد ذرات المياه التي تنطبع عليها صورة القمر تتجدد لحظة بعد لحظة ، وآناً بعد آن ، فلاثبات للصورة الاولى بل هي صورة بعد صورة وانعكاس بعد انعكاس ، وحدوث بعد حدوث.
وربما شبه العالم المادي في ظل الحركة الجوهرية بنبع سائل ينبع باستمرار من جهة وينحدر في واد من جهة أخرى دون توقف حتى لحظة واحدة.
وبعبارة أخرى ان العالم ـ بمادته وصورته ـ في تجدد مستمر ، فهو لاتصال هذا التجدد وتلاحقه يبدو كأنه أمر ثابت قار ، في حين ان ما نراه هذه اللحظة هو غير ما رأيناه في اللحظة السابقة أو ما سنراه في اللحظة اللاحقة فهو في كل لحظة حادث ، وهو في كل آن يتمتع بوجود جدید ، مسبوق بعدمه ، وملحوق بوجود آخر.
وهذا يعني أنه ليس لذرة واحدة وجودان بل وجود واحد مستمر.
ولقد استدلّ الحكيم الشيرازي على هذه الحركة في الجوهر ببراهين عديدة نعرض عن ذكرها هنا (١).
__________________
(١) الأسفار الأربعة ج ٣ ص ٦ ـ ٧ وص ١٣ ـ ١٤١ وقد صرح قدس سره في هذا الفصل بأن للطبيعة امتدادين ولها مقداران أحدهما : تدریجی زماني يقبل الانقسام الیه