تجاهل العلل الطبيعية ، وانكار الروابط المادية بينها وبين معالیلها ليكون انكشاف العلل والروابط في ضوء العلم سبباً لتزعزع الاعتقاد بوجود الله وانحساره.
ونسبة هذا الامر الى الالهيين محض كذب وافتراء ، وعين الظلم والجفاء ، وأي اظلم اشد من أن ننسب الى طائفة كبرى من البشر ما لا يقولون به ، بل وما هم بريئون منه ، فان الاعتقاد بالله ليس ـ عندهم ـ بمعنى انكار العلل ، بل هو بمعنی انهم يعتقدون بأن النظام العلّي السببي السائد في الكون ، يرجع في مآله الی قوة عليا ، وينتهي الى مبدأ اعلى هو علة العلل ، وهو مسبب الاسباب وهو موجد ذلك النظام العلّي ، فالانسان اذا أطل على هذا الكون ، وشاهد ما فيه من انظمة بسيطة وأخرى معقدة تنتظم ظواهر الطبيعة ، وتسير على وفقها جميع الحوادث بانتظام ، ودون فوضى أو عبثية جرته هذا النظرة الفاحصة ، الى الاعتقاد بقوة مدبرة منظمة خالقة وراء هذا الكون العظيم ، ونظامه البديع ، هو الذي أوجد الكون ، وأرسى فیه السنن.
الاعتقاد بذلك الخالق القادر المدبر وليد الاعتقاد بالنظام السببي العلّي ، والايمان بالعلل الطبيعية لا انكارها وتجاهلها كما زعم أو توهم اصحاب هذه الفرضية من الماديين ، واتهموا به الالهيين.
وبعبارة أخرى ان الالهي لا يثبت وجود الله عند عدم العلم بعلل الحوادث وعند المبهمات والغوامض بل يعتقد به عندما يقف على النظم الكونية السائدة ، والامور الواضحة السياق ، البينة النظام ، فطريقه الى الاذعان والايمان بوجوده هو ما يشاهده من التنسيق والانسجام ، والترابط والنظام ، لا ما قد يصادفه من الفوضى والشوائية.
نعم أن المشتغل بدراسة الطبيعة المهتم بعالم الأحياء كلما ازداد علماً بأسرار الكون ، ووعياً وادراكاً لقوانينه ازداد ایماناً ویقیناً بوجود الخالق ، الموجد لتلك