الانسانية يتألف من مقدمتين :
الأولى : أن هناك موجوداً تنسب اليه جميع الأفعال الصادرة من الانسان من غير فرق بين الذهنية أو الجسمية.
وان لهذا الموجود حقيقة وواقعية يشار اليها بكلمة «أنا» وليست تلك الحقيقة أمراً انتزاعياً.
الثانية : أن هذه الحقيقة التي تعد مصدراً لافعال الانسان ، ثابتة ، وباقية ، ومستمرة في مهب التغيرات ، وهذا الثبات والبقاء في دوامة التغيرات آية التجرد.
وعلى ذلك فيجب علينا اثبات كل واحدة من المقدمتين ، حتى يبنى عليها صرح هذا البرهان. واليك كل واحدة من تينك المقدمتين بشيء من التفصيل :
ألف ـ الشخصية الانسانية المعبر عنها بالانا :
لم يزل كل واحد منا ينسب أفعالا كثيرة الى نفسه التي يعبر عنها بالأنا أو ببقية الضمائر المتصلة مثل قوله : «قرأت ، كتبت ـ أردت ، أحببت» بل يضيف كثيراً من أعضائه إلى تلك الحقيقة ويقول : «يدي ، رجلي ، عيني ، قلبي ، اذني» وما شاكل ذلك.
__________________
يتحد معها من العلوم والادراكات. ففي مرحلة درك المفاهيم الكلية العقلانية المحضة (مثل درك الانسان نوع) أو تصور ذات الانسان الكلي تكون مجرداً محضاً بحسب ما يدرك من المجردات كما انها في مرحلة تصور ذوات الأبعاد والالوان تكون مجرداً برزخياً متوسطاً بين المادية المحضة والمجرد الكامل ، وذلك بحسب ما يدرك من الصور التي هي أيضاً من هذا النوع من التجرد.
وقد أقام صدر المتألهين عای تجرد النفس تجرداً برزخياً براهين أربعة في الجزء الثالث من الاسفار (ص ٤٧٥ ـ ٤٨٧). كما انه بحث في تجرد النفس العقلاني المحض في الجزء الثامن منه ، وأقام أحد عشر برهاناً على تجرد النفس الإنسانية تجرداً عقلانياً (ص ٢٦ ـ ٣٣).