منها ما أقامه الشيخ الرئيس ابن سينا في اشاراته ، وأوضحه المحقق الطوسي نصیر الدین رحمه الله :
علم الانسان بنفسه مع الغفلة عن بدنه
ان الانسان يمكن أن يغفل عن كل شيء في شرائط خاصة ، ولكنه لا يمكن أن يغفل عن نفسه سواء أكان سليماً أو مريضاً ، واذا أردت أن تدرك ذلك فاستمع للبيان التالي :
افرض انك قد خلقت الان لاول مرة صحيح العقل والهيئة حتى لا يكون لك تذكر لشيء ما أصلا ، وافرض انك على وضع من الهيئة بحيث لا تبصر أطرافك ، ولا تتنبه الى شيء لئلا تدرك جملة فتحكم بأنه هي ، ولا تتلامس أعضاؤك لئلا تحس بها بل تكون منفرجة ، ومعلقة في هواء طلق لا تحس فيه بكيفية غريبة من حر أو برد وما شابه مما هو خارج عن بدنك.
فان الانسان في مثل هذه الحالة يغفل عن كل شيء (مثل أعضائه الظاهرة والباطنة ، ومثل حواسه وقواه ومثل الاشياء الخارجة عن ذاته جميعاً) الا عن ذاته.
فلو كانت الروح نفس بدنه وأعضائه ، وجوارحه وجوانحه ، لزم أن يغفل عن نفسه اذا غفل عن جوارحه وجوانحه ولكن التجربة تثبت خلاف ذلك كما عرفت وان شئت قلت بكلمة قصيرة : المغفول عنه (أي البدن) في هذا المجال غير اللامغفول عنه.
وبهذا يكون أول الادراكات ـ على الاطلاق ـ وأوضحها هو «ادراك الانسان نفسه» (١).
__________________
(١) الاشارات ج ٢ ص ٢٢ ـ ٢٣ والشفاء ـ قسم الطبیعیات ص ٢٨٢ ـ ٤٦٤ وهذا هو البرهان الذي ربما يسمى ببرهان الانسان الطائر أو الانسان المعلق.