«لا ريب أن الانسان في جميع احيان وجوده يشاهد امراً غير خارج منه يعبر عنه بأنا ونفسي ، واذا لطف نظره وتعمق خائضة في ما يجده في مشاهدته هذه وجده شيئاً على خلاف ما يجده من الأمور الجسمانية القابلة للتغير والانقسام والاقتران بالمكان والزمان ووجده على غير هذا البدن المادي المحكوم باحكام المادة ، باعضائه واجزائه ، فانما ربما نسي أي عضو من أعضائه أو غفل عن جميع بدنه وهو لا ينسى نفسه ولا يغفل عنها ، دع عنك ما ربما تقوله : نسيت نفسي ، غفلت عن نفسي ، ذهلت عن نفسي ، فهذه مجازات عن عنایات نفسانية مختلفة ، الا ترى أنك تسند النسيان والغفلة والذهول حينئذ إلى نفسك وتحكم بأن نفسك الشاعرة شعرت بأمر وغفلت عن أمر تسمیه نفسك كالبدن ونحوه.
وكيف كان لا ينبغي الارتياب في ان الانسان بما انه انسان لا يخلو عن هذا الشعور النفسي الذي يمثل له حقيقة نفسه التي يعبر عنها بـ «الانا» ولو انه استأنس قلیل استیناس بما يشاهده من نفسه على انصراف من التقسم الى مشاغله البدنية وامانيه المادية قضى بما تقدم أن نفسه أمر مغاير لسنخ المادة والماديات لما یشاهد من مغايرة خواص نفسه وآثارها الخواص الأمور المادية وآثارها. (راجع الميزان ج ص ١٧ ـ ١٨).
الى هنا ثبت «تجرد النفس» عن طريق البراهين التي تثبت تجردها بصورة مباشرة.
وهناك براهین اخرى تثبت «تجرد النفس» بصورة غير مباشرة ، وذلك مثل ان تثبت البراهين تجرد المعقولات والصور العلمية القائمة بالنفس فاذا ثبت تجرد العلم المدرك ثبت تجرد الذات المدركة أيضاً.
ولقد أقام الفلاسفة على تجرد «الصور الذهنية» والمعلومات عشرة براهين نقتطف منها ما يناسب ابحاثنا فقط.