واليك فيما يلي هذه الأدلة والبراهين :
البرهان الثالث على تجرد النفس الإنسانية
تجرد الصور العلمية
قبل أن نخوض في صلب هذا البرهان لابد ان نشير إلى نقطة هامة وهي انه لاشك أن العلوم قد اثبتت ان للابصار عللا مادية وشرائط فيزياوية وكيماوية لا يتحقق الابصار بدونها ، وهي بالتالي علل لا تقبل الانكار والتشكيك.
واذا قال الالهي بتجرد «الصور العلمية» فان ذلك لا يعني أن الادراك يتحقق لدى الانسان بصورة عشوائية ، وخارجة عن القوانين الطبيعية المذكورة.
وانما يرجع مدعاه الى انه بعد تحقق جميع هذه الشرائط وتوفر جميع هذه العلل اللازمة لتحقق الابصار توجد في حيز الفكر البشري «صور ذهنية» لا تنطبق عليها شرائط المادة وصفاتها فالقوانين والسنن المادية التي تحقق الابصار تعتبر «معدات» لهذه «الصور المجردة».
اذا عرفت هذا فتقول : لاشك ان كل واحد منا يدرك صور الموجودات العظيمة ، ويتصورها بما لها من الحجم والمقدار ، فلو كانت حقيقة الادراك ممحضة في انطباع الصور على المدارك العقلية وجب أن يكون هذا العالم الكبير بسمائه وارضه وشمسه وقمره وجباله وبحاره ومدنه وبساتينه ، قد تمركزت في صفحة الدماغ ومواضع الادراك التي لا تزيد على عدة سنتيمترات (١) وكيف
__________________
(١) قال صدر المتألهين : ومحل هذه الصور يمتنع أن يكون شيئاً جسمانياً فان جملة بدنتا بالنسبة إلى الصور المتخيلة لنا قليل من كثير ، فكيف تنطبق الصور العظيمة على المقدار الصغير ، وليس يمكن أن يقال ان بعض تلك الصور من طبيعة في أبداننا ،